حمل الأمانة الإلهیة أعظم افتخارات البشر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة الأحزاب / الآیة 72 ـ 73 محتوى سورة سبأ:

تکمل هاتان الآیتان ـ اللتان هما آخر آیات سورة الأحزاب ـ المسائل المهمّة التی وردت فی هذه السورة فی مجالات الإیمان، والعمل الصالح، والجهاد، والإیثار، والعفّة والأدب والأخلاق، وتبیّن کیف أنّ الإنسان یحتل موقعاً سامیاً جدّاً بحیث یستطیع أن یکون حامل رسالة الله العظیمة، ولکن إذا ما جهل قیمته الحیاتیة والوجودیة سیظلم نفسه غایة الظلم، وینحدر إلى أسفل سافلین!

تبیّن الآیة أوّلا أعظم إمتیازات الإنسان وأهمّها فی کلّ عالم الخلقة، فتقول: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبین أن یحملنها وأشفقن منه).

ممّا لا شکّ فیه أنّ إباءها تحمّل المسؤولیة وامتناعها عن ذلک لم یکن استکباراً منها، کما کان ذلک من الشیطان، حیث تقول الآیة 34 من سورة البقرة: (أبى واستکبر)، بل إنّ إباءها کان مقترناً بالإشفاق، أی الخوف الممتزج بالتوجّه والخضوع.

إلاّ أنّ الإنسان، اُعجوبة عالم الخلقة، قد تقدّم (وحملها الإنسان إنّه کان ظلوماً جهول).

لقد تحدّث کبار مفسّری الإسلام حول هذه الآیة کثیراً، وسعوا کثیراً من أجل الوصول إلى حقیقة معنى «الأمانة»، وأبدوا وجهات نظر مختلفة، نختار أفضلها بتقصّی القرائن الموجودة فی طیّات الآیة.

ویجب التأکید فی هذه الآیة العمیقة المحتوى على خمس موارد:

ما هو المراد من الأمانة؟

ما معنى عرضها على السماوات والأرض والجبال؟

لماذا وکیف أبت هذه الموجودات حمل هذه الأمانة؟

کیف حمل الإنسان ثقل الأمانة هذا؟

لماذا وکیف کان ظلوماً جهولا؟

لقد ذُکرت تفاسیر مختلفة للأمانة ومن جملتها:

أنّ المراد من الأمانة: هی الولایة الإلهیة، وکمال صفة العبودیة، والذی یحصل عن طریق المعرفة والعمل الصالح.

أنّ المراد: صفة الإختیار والحریة والإرادة التی تمیّز الإنسان عن سائر الموجودات.

أنّ المراد: العقل الذی هو ملاک التکلیف، ومناط الثواب والعقاب.

أنّ المراد: أعضاء جسم الإنسان، فالعین أمانة الله، ویجب الحفاظ علیها وعدم استعمالها فی طریق المعصیة، والاُذن والید والرجل واللسان کلّها أمانات یجب حفظها.

أنّ المراد: الأمانات التی یأخذها الناس بعضهم من بعض، والوفاء بالعهود.

أنّ المراد: معرفة الله سبحانه.

أنّ المراد: الواجبات والتکالیف الإلهیّة کالصلاة والصوم والحجّ.

لکن یتّضح من خلال أدنى دقّة أن هذه التفاسیر لا تتناقض مع بعضها، بل یمکن إدغام بعضها فی البعض الآخر، فبعضها أخذت جانباً من الموضوع، وبعضها الآخر کلّه.

ومن أجل الحصول على جواب جامع کاف، یجب أن نلقی نظرة على الإنسان لنرى أی شیء یمتلکه وتفتقده السماوات والأرضون والجبال؟

إنّ الإنسان موجود له استعدادات وقابلیات یستطیع من خلال استغلالها أن یکون أتمّ مصداق لخلیفة الله، ویستطیع أن یصل إلى قمّة العظمة والشرف باکتساب المعرفة وتهذیب النفس وتحصیل الکمالات، وأن یسمو حتى على الملائکة.

إنّ هذا الإستعداد المقترن بالحریة والإرادة والاختیار یعنی أنّ الإنسان یطوی هذا الطریق بإرادته واختیاره، ویبدأ فیه من الصفر ویسیر إلى ما لا نهایة.

إنّ السماء والأرض والجبال تمتلک نوعاً من المعرفة الإلهیّة، وهی تذکر الله سبحانه

وتسبّحه، وتخضع لعظمته وتخشع لها وتسجد، إلاّ أنّ کلّ ذلک ذاتی وتکوینی وإجباری، ولذلک لیس فیه تکامل ورقی، والموجود الوحید الذی  لا ینتهی منحنى صعوده ونزوله، وهو قادر على ارتقاء قمّة التکامل بصورة لا تعرف الحدود، ویقوم بکلّ هذه الأعمال بإرادته واختیاره، هو الإنسان، وهذه هی «الأمانة الإلهیّة» التی امتنعت من حملها کلّ الموجودات، وحملها الإنسان! ولذلک نرى الآیة التالیة قسّمت البشر إلى ثلاث فئات: «المؤمنین» و«الکفّار» و«المنافقین».

بناءً على هذا یجب القول فی عبارة مختصرة أنّ الأمانة الإلهیة هی قابلیة التکامل غیر المحدودة والممتزجة بالإرادة والاختیار، والوصول إلى مقام الإنسان الکامل، وعبودیة الله الخاصّة وتقبّل ولایة الله.

لکن لماذا عُبّر عن هذا الأمر بالأمانة، مع أنّ کلّ وجودنا وکلّ ما لدینا أمانة الله؟

لقد عبّر بهذا التعبیر لأهمیّة امتیاز البشر العظیم هذا، وإلاّ فإنّ بقیة المواهب أمانات الله أیضاً، غیر أنّ أهمیّتها تقلّ أمام هذا الإمتیاز.

ویمکن أن نعبّر هنا عن هذه الأمانة بتعبیر آخر ونقول: إنّها التعهّد والإلتزام وقبول المسؤولیة.

بناءً على هذا فإنّ اُولئک الذین فسّروا الأمانة بصفة الاختیار والحریة فی الإرادة، قد أشاروا إلى جانب من هذه الأمانة العظمى، کما أنّ اُولئک الذین فسّروها بالعقل، أو أعضاء البدن، أو أمانات الناس لدى بعضهم البعض، أو الفرائض والواجبات، أو التکالیف بصورة عامّة، قد أشار کلّ منهم إلى غصن من أغصان هذه الشجرة العظیمة المثمرة، واقتطف منها ثمرة.

لکن ما هو المراد من عرض هذه الأمانة على السموات والأرض؟

هل المراد: أنّ الله سبحانه قد منح هذه الموجودات شیئاً من العقل والشعور ثمّ عرض علیها حمل هذه الأمانة؟

أو أنّ المراد من العرض هو المقارنة؟ أی أنّها عندما قارنت حجم هذه الأمانة مع ما لدیها من القابلیات والإستعدادات أعلنت عدم لیاقتها وإستعدادها عن تحمّل هذه الأمانة العظیمة.

طبعاً، یبدو أنّ المعنى الثّانی هو الأنسب، وبهذا فإنّ السماوات والأرض والجبال قد

صرخت جمیعاً بأنّا لا طاقة لنا بحمل هذه الأمانة.

ومن هنا یتّضح جواب السؤال الثالث أیضاً، بأنّ هذه الموجودات لماذا وکیف رفضت وأبت حمل هذه الأمانة العظمى، وأظهرت إشفاقها من ذلک؟

ومن هنا تتّضح کیفیة حمل الإنسان لهذه الأمانة الإلهیّة، لأنّ الإنسان کان قد خلق بشکل یستطیع معه تحمّل المسؤولیة والقیام بها، وأن یتقبّل ولایة الله، ویسیر فی طریق العبودیة والکمال ویتّجه نحو المعبود الدائم، وأن یطوی هذا الطریق بقدمه وإرادته، وبالإستعانة بربّه.

أمّا ما ورد فی روایات عدیدة وردت عن أهل البیت(علیهم السلام) من تفسیر هذه الأمانة بقبول ولایة أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) وولده، فمن أجل أنّ ولایة الأنبیاء والأئمّة نور ساطع من تلک الولایة الإلهیّة الکلیّة، والوصول إلى مقام العبودیة، وطی طریق التکامل لا یمکن أن یتمّ من دون قبول ولایة أولیاء الله.

جاء فی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرض(علیه السلام) أنّه سئل عن تفسیر آیة عرض الأمانة، فقال: «الأمانة الولایة، من ادّعاها بغیر حقّ کفر»(1).

وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال عندما سئل عن تفسیر هذه الآیة: «الأمانة الولایة، والإنسان هو أبو الشرور المنافق»(2).

والمسألة الاُخرى التی یلزم ذکرها هنا، هی أنّنا قلنا فی ذیل الآیة 172 من سورة الأعراف فیما یتعلّق بعالم الذرّ بأن أخذ میثاق الله على التوحید کان عن طریق الفطرة، واستعداد وطبیعة الآدمی، وإنّ عالم الذرّ هو عالم الإستعداد والفطرة.

وفی مورد قبول الأمانة الإلهیّة یجب القول بأنّ هذا القبول لم یکن قبول اتّفاق وعقد، بل کان قبولا تکوینیاً حسب عالم الإستعداد.

السؤال الوحید الذی یبقى هو مسألة کون الإنسان «ظلوماً جهولا»، فهل أنّ وصف الإنسان بهاتین الصفتین ـ وظاهرهما ذمّه وتوبیخه ـ کان نتیجة قبوله لهذه الأمانة؟

من المسلّم أنّ النفی هو جواب هذا السؤال، لأنّ قبول هذه الأمانة أعظم فخر ومیزة للإنسان، فکیف یمکن أن یُذمّ على قبوله مثل هذا المقام السامی؟

أم أنّ هذا الوصف بسبب نسیان غالب البشر وظلمهم أنفسهم، وعدم العلم بقدر الإنسان ومنزلته... وبسبب الفعل الذی بدأ منذ ابتداء نسل آدم من قِبل قابیل وأتباعه، ولا یزال إلى الیوم.

إنّ الإنسان الذی ینادى من العرش، وبنی آدم الذین وُضع على رؤوسهم تاج (کرّمنا بنی آدم) والبشر الذین هم وکلاء الله فی الأرض بمقتضى قوله سبحانه: (إنّی جاعل فی الأرض خلیفة)(3) والإنسان الذی کان معلّماً للملائکة وسجدت له، کم یکون ظلوماً جهولا لوینسى کلّ هذه القیم السامیة الرفیعة، ویجعل نفسه أسیرة هذه الدنیا، وتابعاً لهذا التراب، ویکون فی مصاف الشیاطین، فینحدر إلى أسفل سافلین؟!

أجل... إنّ قبول هذا الخطّ المنحرف ـ والذی کان ولا یزال له أتباع وسالکون کثیرون جدّاً ـ خیر دلیل على کون الإنسان ظلوماً جهولا، ولذلک نرى أنّه حتى آدم نفسه، والذی کان رأس السلسلة ومتمتّعاً بالعصمة، یعترف بأنّه قد ظلم نفسه (ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنکوننّ من الخاسرین).(4)

لقد کان «ترک الأولى» الذی صدر منه ناشئاً فی الحقیقة عن نسیان جزء من عظمة هذه الأمانة الکبرى!

وعلى أی حال، فیجب الإعتراف بأنّ الإنسان الضعیف والصغیر فی الظاهر، هو اُعجوبة علم الخلقة، حیث استطاع أن یتحمّل أعباء الأمانة التی عجزت السماوات والأرضون عن حملها إذا لم ینس مقامه ومنزلته(5).

وتبیّن الآیة التالیة علّة عرض هذه الأمانة على الإنسان، وبیان حقیقة أنّ أفراد البشر قد انقسموا بعد حمل هذه الأمانة إلى ثلاث فئات: المنافقین والمشرکین والمؤمنین، فتقول:

(لیعذّب الله المنافقین والمنافقات والمشرکین والمشرکات ویتوب الله على المؤمنین والمؤمنات وکان الله غفوراً رحیم).

یوجد هناک احتمالان فی معنى «اللام» فی (لیعذّب):

الأوّل: أنّها «لام الغایة» التی تذکر لبیان عاقبة الشیء ونهایته، وبناءً على هذا یکون معنى الآیة: کانت عاقبة حمل هذه الأمانة أن سلک جماعة طریق النفاق، وجماعة سبیل الشرک، وهؤلاء سیبتلون بعذاب الله لخیانتهم أمانته، وجماعة هم أهل الإیمان الذین ستشملهم رحمته لأدائهم هذه الأمانة والقیام بواجباتهم.

والثانی: أنّها «لام العلّة»، فتکون هناک جملة مقدرة، وعلى هذا یکون تفسیر الآیة: کان الهدف من عرض الأمانة أن یوضع کلّ البشر فی بوتقة الاختبار، لیُظهر کلّ إنسان باطنه فیرى من الثواب والعقاب ما یستحقّه.

وهنا اُمور ینبغی الإلتفات إلیها:

إنّ سبب تقدیم أهل النفاق على المشرکین هو أنّ المنافق یتظاهر بأنّه أمین فی حین أنّه خائن، إلاّ أنّ خیانة المشرک ظاهرة مکشوفة، ولذلک فإنّ المنافق یستحقّ حظّاً أکبر من العذاب.

یمکن أن یکون سبب تقدیم هاتین الفئتین على المؤمنین هو أنّ الآیة السابقة قد ختمت بـ (ظلوماً جهول) وهاتان الصفتان تناسبان المنافق والمشرک، فالمنافق ظالم، والمشرک جهول.

لقد وردت کلمة (الله) مرّة واحدة فی شأن المنافقین والمشرکین، ومرّة فی شأن المؤمنین، وذلک لأنّ مصیر الفئتین الاُوّلیین واحد، وحساب المؤمنین یختلف عنهما.

یمکن أن یکون التعبیر بالتوبة بدل الجزاء والثواب فی شأن المؤمنین بسبب أنّ أکثر خوف المؤمنین من الذنوب والمعاصی التی تصدر عنهم أحیاناً، ولذا فإنّ الآیة تطمئنهم وتمنحهم السکینة بأنّ ذنوبهم ستغفر.

أو لأنّ توبة الله على عباده تعنی رجوعه علیهم بالرحمة، ونعلم أنّ کلّ الهبات والعطایا والمکافآت قد اُخفیت فی کلمة «الرحمة».

إنّ وصف الله بالغفور والرحیم ربّما کان فی مقابل الظلوم والجهول، أو لمناسبته ذکر التوبة بالنسبة للمؤمنین والمؤمنات.

الآن وقد بلغنا نهایة سورة الأحزاب بفضل الله سبحانه، نرى لزاماً ذکر هذه المسألة، وهی: أنّ انسجام بدایة هذه السورة مع نهایتها یستحقّ الدقّة والإنتباه، لأنّ هذه السورة ـ سورة الأحزاب ـ قد بدأت بخطاب النّبی(صلى الله علیه وآله) وأمره بتقوى الله، ونهیه عن طاعة الکافرین والمنافقین، والتأکید على کون الله علیماً حکیماً، وانتهت بذکر أعظم مسألة فی حیاة البشر، أی حمل أمانة الله. ثمّ بتقسیم البشر إلى ثلاث فئات: المنافقین، والکافرین، والمؤمنین، والتأکید على کون الله غفوراً رحیماً.

وبین هذین البحثین طرحت بحوثاً کثیرة حول هذه الفئات الثلاثة، واُسلوب تعاملهم مع هذه الأمانة الإلهیة، وکلّ هذه البحوث یکمل بعضها بعضاً، ویوضّح بعضها بعضاً.

اللهمّ اجعلنا ممّن قبلوا أمانتک بإخلاص، وحملوها بعشق ولذّة، وقاموا بواجباتهم تجاهها.

اللهمّ اجعلنا من المؤمنین الذین وسعتهم رحمتک، لا من المنافقین والمشرکین الذین استحقّوا العذاب لکونهم ظلومین جهولین.

اللهمّ أنزل غضبک وسخطک على أحزاب الکفر التی اتّحدت مرّة اُخرى، واحتّلت مدینة الإسلام فی عصرنا الحاضر، واهدم قصورهم على رؤوسهم، اللهمّ وهب لنا من الثبات والإستقامة ما نقف به کالجبل لندافع عن مدینة الإسلام ونحرسها فی هذه اللحظات الحسّاسة.

آمین یاربّ العالمین.

نهایة سورة الأحزاب


1. تفسیر البرهان، ج 3، ص 341، ذیل الآیة مورد البحث.
2. المصدر السابق.
3. البقرة، 30.
4. الأعراف، 23.
5. اتّضح ممّا قلناه فی تفسیر الآیة أن لا حاجة مطلقاً إلى أن نقدر شیئاً فی الآیة، کما قال ذلک جمع من المفسّرین، ففسّروا الآیة بأنّ المراد من عرض أمانة الله على السماء والأرض والجبال هو عرضها على أهلها، أی الملائکة! ولذلک قالوا بأنّ اُولئک الذین أبوا أن یحملوها قد أدّوها، واُولئک الذین حملوها خانوها.
إنّ هذا التّفسیر لیس مخالفاً لظاهر الآیة من ناحیة الاحتیاج إلى التقدیر وحسب، بل یمکن أن یناقش ویورد على اعتقاده بأنّ على الملائکة نوع تکلیف، وأنّها حاملة لجزء من هذه الأمانة، وبغضّ النظر عن کلّ ذلک فإنّ تفسیر أهل الجبال بالملائکة لا یخلو من غرابة، دقّقوا ذلک.
سورة الأحزاب / الآیة 72 ـ 73 محتوى سورة سبأ:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma