إنّ الآیات أعلاه تحذّر من الإنخداع والإغترار بزخارف الحیاة الدنیا وبهارجها، ثمّ تتحدّث عن خدع الشیطان ومکائده، وتعلن عن خطورته، لأنّ الناس عدّة أقسام:
فبعضهم ضعیف وعاجز إلى الحدّ الذی یکفی لخداعه والتغریر به مجرّد رؤیة زخارف الدنیا.
والبعض الآخر یمتلک مقاومة أکثر، فلابدّ أن تزداد الوساوس الشیطانیة لإزدیاد مقاومتهم، ویتّحد لإضلالهم وخداعهم الشیطان الداخلی والخارجی. وتعبیرات الآیة أعلاه تحذیر لأفراد کلا الفئتین.
وممّا یجدر ذکره أنّ (الغرور) على وزن «جسور» یعنی کلّ موجود خدّاع، وإنّما فسّروها بالشیطان لأنّه مصداقها الواضح فی الحقیقة، وإلاّ فإنّ کلّ إنسان خدّاع، وکلّ کتاب مضلّ، وأیّ مقام ومنصب یوسوس، وکلّ موجود یخدع الإنسان ویضلّه فإنّه یدخل فی المفهوم الواسع لهذه الکلمة، اللهمّ إلاّ أن نعطی للشیطان من سعة المعنى بحیث یشمل کلّ المعانی المتقدّمة، ولهذا فإنّ الراغب فی مفرداته یقول: فالغرور کلّ ما یغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشیطان، وقد فسّر بالشیطان إذ هو أخبث الغارّین.
وقد فسّرها البعض بالدنیا لخداعها وغرورها، کما نقرأ فی نهج البلاغة: «تغرّ وتضرّ وتمرّ»(1).