ألْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعالَمِینَ، اَلرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ، بارِىءِ الْخَلائِقِ أَجْمَعِینَ، أَلَّذِی بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِی السَّمواتِ الْعُلى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى، نَحْمَدُهُ عَلى عَظائِمِ الاُْمُورِ، وَفَجائِعِ الدُّهُورِ، وَأَلَمِ الْفَجائِعِ، وَمَضاضَةِ اللَّواذِعِ، وَجلِیلِ الرُّزْءِ، وَعَظِیمِ الْمَصائِبِ الْفاظِعَةِ الْکاظَّةِ الْفادِحَةِ الْجائِحَةِ.
أَیُّهَا الْقَوْمُ! إنَّ اللهَ وَلَهُ الْحَمْدُ ابْتَلانا بِمَصائِبَ جَلِیلَة، وَثُلْمَة فِی الاِْسْلامِ عَظِیمَة، قُتِلَ أَبُو عَبْدِاللهِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلامُ وَعِتْرَتُهُ، وَسُبِیَ نِساؤُهُ وَصِبْیَتُهُ، وَدارُوا بِرَأْسِهِ فِی الْبُلْدانِ مِنْ فَوْقِ عامِلِ السِّنانِ، وَهذِهِ الرَّزِیَّةُ الَّتِی لامِثْلَها رَزِیَّةٌ.
أَیُّهَا النّاسُ! فَأَىُّ رِجالات مِنْکُمْ تَسُرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ؟! اَمْ أیُّ فُؤاد لا یَحْزُنُ مِنْ أَجْلِهِ؟ أَمْ أَیَّةُ عَیْن مِنْکُمْ تَحْبِسُ دَمْعَها وَتَضِنُّ عَنِ انْهِمالِها؟! فَلَقَدْ بَکَتِ السَّبْعُ الشِّدادُ لِقَتْلِهِ، وَبَکَتِ الْبِحارُ بِأَمْواجِها، وَالسَّمواتُ بِأَرْکانِها، وَالاَْرْضُ بِأَرْجائِها، وَالاَْشْجارُ بِأَغْصانِها، وَالْحِیتانُ وَلُجَجُ الْبِحارِ، وَالْمَلائِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَهْلُ السَّمواتِ أَجْمَعُونَ.
أَیُّهَا النّاسُ! أَیُّ قَلْب لا یَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ؟! أَمْ أَیُّ فُؤاد لا یَحِنُّ إِلَیْهِ؟! أَمْ أَیُّ سَمْع یَسْمَعُ هذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِی ثُلِمَتْ فِی الاِْسْلامِ وَلا یُصَمُّ.
أَیُّهَا النّاسُ! أصْبَحْنا مَطْرُودِینَ مُشَرَّدِینَ مَذُودِینَ، شاسِعِینَ عَنِ الاَْمْصارِ، کَأَنّا أَوْلادُ تُرْک وَکابُلَ مِنْ غَیْرِ جُرْم اجْتَرَمْناهُ، وَلا مَکْرُوه ارْتَکَبْناهُ، وَلا ثُلْمَة فِی الاِْسْلامِ ثَلَمْناها، ما سَمِعْنا بِهذا فِی آبائِنَا الاَْوَّلِینَ (إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ)(1).
وَاللهِ لَوْ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ فِی قِتالِنا کَما تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ فِی الْوِصایَةِ بِنا لَمَا ازْدادُوا عَلى ما فَعَلُوا بِنا، فَاِنّا للهِِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِیبَة ما أَعْظَمَها وَأَوْجَعَها وَأَفْجَعَها وَأَکَظَّها وَأَفْظَعَها وَأَمَرَّها وَأَفْدَحَها، فَعِنْدَاللهِ نَحْتَسِبُ فِیما أَصابَنا وَما بَلَغَ بِنا، إِنَّهُ عَزِیزٌ ذُوانْتِقام.
إنّالله وَإنّا إلَیه راجِعُون
قال الراوی: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان(1) ـ وکان زمناً مقعداً ـ فاعتذر إلیه ـ الإمام زین العابدین ـ صلوات الله علیه بما عنده من زمانة رجلیه، وأجابه بقبول معذرته وحسن الظن به وشکر له وترحم على أبیه(2).