واصل الإمام(علیه السلام) مسیره إلى الکوفة حتى رأى الفرزدق، فسلم علیه وقال: یا ابن رسول الله(صلى الله علیه وآله) کیف تثق بأهل الکوفة وقد قتلوا ابن عمّک ـ مسلم بن عقیل ـ وصحبه؟ فجرت دموعه(علیه السلام) وقال:
«رَحِمَ اللهُ مُسْلِماً فَلَقَدْ صارَ إِلى رَوْحِ اللهِ وَرَیْحانِهِ وَجَنَّتِهِ وَرِضْوانِهِ، أِلاَ إِنَّهُ قَدْ قَضَى ما عَلَیْهِ وَبَقَیَ ما عَلَیْنا».
ثم أنشد:
فَإِنْ تَکُنِ الدُّنیا تُعَدُّ نَفیسَةً *** فَدارُ ثَوابِ اللهِ أَعْلى وَأَنْبَلُ
وَإِنْ تَکُنِ الاَْبْدانُ لِلْمُوتِ أُنْشِئَتْ *** فَقَتْلُ امْرِئ بِالسَّیْفِ فِی اللهِ أَفْضَلُ
وَإِنْ تَکُنِ الاَْرْزاقُ قِسْماً مُقَدَّراً *** فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِی الرِّزْقِ أَجْمَلُ
وَإِنْ تَکُنِ الاَْمْوالُ لِلتَّرْکِ جَمْعُها *** فَما بالُ مَتْرُوک بِهِ الْحُرُّ یَبْخَلُ(1)
وأضاف ابن شهر آشوب صاحب کتاب المناقب هذا البیت:
عَلَیْکُمْ سَلامُ اللهِ یا آلَ أَحْمَد *** فَإِنَّی أَرانِی عَنْکُمُ سَوْفَ أَرْحَلُ(2)
کما أضاف الأربلی مؤلف «کشف الغمة» هذا البیت:
وَإِنْ کانَتِ الاَْفْعالُ یَوْماً لاَِهْلِها *** کَمالا فَحُسْنُ الْخُلْقِ أَبْهى وَأَکْمَلُ(3)
وجاء فی الخبر أن الإمام الحسین(علیه السلام) التفت إلى بنت مسلم بن عقیل وقال: «یا اِبْنَتِی أَنَا أَبُوکِ وَبَناتِی أَخَواتُکِ»(4).
تجسدت فی هذه الأشعار ذروة عظمة الإمام(علیه السلام) وأهدافه، فهو یعلم أن لا سبیل أمامه سوى الشهادة واستقبال السیوف والرماح بغیة رفض فضیحة الإستسلام للاستبداد وإنقاذ الإسلام من مخالب المشرکین المتشبهین بالمسلمین من فلول بنی أمیة. والإمام(علیه السلام) یُعدّ أصحابه من خلال ذلک لهذا الهدف العظیم.