ینقل الشیخ المفید فی «الإرشاد» أنّ عبیدالله بن زیاد أمر بحمل رأس الإمام الحسین(علیه السلام) والطواف به فی سکک الکوفة کلّها وقبائلها. (وذلک لتخویف الناس والهیمنة علیهم وإرعابهم).
فروی عن زید بن أرقم أنّه قال: مرّ برأس الحسین(علیه السلام) علیَّ وهو على رمح وأنا فی غرفة، فلما حاذانی سمعته یقرأ «(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْکَهْفِ وَالرَّقِیمِ کَانُوا مِنْ آیَاتِنَا عَجَباً)»(1) فوقف والله شعری ونادیت: «رَأْسُکَ وَاللهِ یَاابْنَ رَسُولِ اللهِ! أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ»(2).
إنّ تلاوة رأس الإمام الحسین(علیه السلام) للقرآن یعدّ من المعجزات الباهرة للإمام الحسین، ولکن ربّما یثار هذا السؤال: هل أنّ جمیع الناس رأوا هذه الواقعة وسمعوا رأس الإمام الحسین(علیه السلام) یتلو القرآن، أم أنّ بعض الأشخاص شهدوا هذه المعجزة؟ هذه المسألة محلّ جدل ونقاش، ولکن مع الالتفات إلى أنّ سماع صوت القرآن من الرأس المبارک یعدّ من المعجزات التی إذا شاهدها جمیع الأفراد فإنّها تکون مثاراً للبحث وتنتقل بین المجالس، وربّما تؤدّی إلى ثورة الناس وانتفاضتهم على الحکومة الأُمویّة، والمفروض أنّ مثل هذه الحادثة المهمّة تذکر فی ثنایا التاریخ بشکل واسع، ولکن بما أنّ مثل هذه الحادثة لم ترد فی المصادر التاریخیة، فإنّه یمکن القول أنّ هذه الحادثة وسماع صوت القرآن من الرأس المبارک یختصّ بأفراد قلائل مثل زید بن أرقم الصحابی الجلیل لرسول الله(صلى الله علیه وآله)، والذی سبق أن تحدّثنا عن موقفه من ابن زیاد.
والنقطة الأخرى: تلاوة هذه الآیة بالخصوص من قِبل رأس الإمام الحسین(علیه السلام). لأنّنا نعلم أنّ أصحاب الکهف والرقیم(3) کانوا عدّة من الفتیان المؤمنین الذین کانوا یعیشون فی عصر سیطرة قوى الکفر والظلم وبزعامة ملک یسمى «دقیانوس»، وقد لجأوا لحفظ عقیدتهم ومواجهة طاغوت عصرهم، إلى غار فی الجبل وعاشوا الاستقامة والثبات فی خط الإیمان والرسالة، وبعد دخولهم إلى الغار بقوا هناک بأمر من الله تعالى لمدة ثلاثماءة وتسع سنین فی حال نوم شبیه بالموت، ثم بعثهم الله تعالى من نومهم الطویل(4).
وفی الواقع أنّ هذه المعجزة الکبیرة مثیرة للتعجب، ولکن قراءة القرآن من قِبل رأس الإمام الحسین(علیه السلام) وتلاوة هذه الآیة المذکورة یعدّ إعجازاً آخر أعجب بکثیر من قصة أصحاب الکهف.
إنّ تلاوة الرأس الشریف لهذه الآیات المبارکة ربّما یشیر إلى نقطة أخرى، وهی أنّ الإمام الحسین(علیه السلام) أیضاً کان یعیش فی عصر یسوده الظلم والظلمات، وقد سلک فی طریق الهجرة إلى الله والتصدّی للظالمین، ولکن أین قیام الإمام الحسین(علیه السلام)وعظمة نهضته من هجرة أصحاب الکهف؟!