التقى الإمام(علیه السلام) فی منطقة «ذو الحسم»(1) بجیش الحر (الجیش الذی بعث من جانب ابن زیاد لمنع الحسین(علیه السلام) من دخول الکوفة)، فلما حل الظهر قال الإمام(علیه السلام)للحجاج بن مسروق:
«أَذِّنْ رَحِمَکَ اللهُ! ... حَتّى نُصَلِّی».
فنهض الحجاج وأذن. فقال الإمام(علیه السلام) للحر بن یزید:
«یَا ابْنَ یَزیدَ! أَتُریدُ أَنْ تُصَلِّیَ بِأَصْحابِکَ وَأُصَلِّی بِأَصْحابِی؟».
فقال الحر: صلّ بأصحابک ونحن معکم. فاقتدوا جمیعاً بالأمام(علیه السلام) فلما فرغ استند على سیفه فحمد الله وأثنى علیه ثم قال:
«أَیُّهَا النّاسُ! إنَّها مَعْذِرَةٌ إِلَى اللهِ وَإِلى مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمینَ، إِنِّی لَمْ أَقْدِمْ عَلى هذا الْبَلَدِ حَتّى أَتَتْنِی کُتُبُکُمْ وَقَدِمَتْ عَلَیَّ رُسُلُکُمْ أَنْ أَقْدِمَ إِلَیْنا إِنَّهُ لَیْسَ عَلَیْنا إِمامٌ، فَلَعَلَّ اللهَ أَنْ یَجْمَعَنا بِکَ عَلَى الْهُدى، فَإِنْ کُنْتُمْ عَلى ذلِکَ فَقَدْ جِئْتُکُمْ، فَإِنْ تُعْطُونِی ما یَثِقُ بِهِ قَلْبِی مِنْ عُهُودِکُمْ وَمِنْ مَواثیِقکُمْ دَخَلْتُ مَعَکُمْ إِلى مِصْرِکُمْ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَکُنْتُمْ کارِهینَ لِقُدوُمی عَلَیْکُمُ انْصَرَفْتُ إِلَى الْمَکانِ الَّذِی أَقْبَلْتُ مِنْهُ إِلَیْکُمْ»(2).
فسکت الحر وجیشه أمام کلمات الإمام(علیه السلام) وخطبته دون أن یحیروا جواباً.
وعلى روایة أخرى قال:
«إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الاَْمْرِ ما قَدْ تَرَوْنَ وَإِنَّ الدُّنْیا قَدْ تَغَیَّرَتْ وَتَنَکَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُها، وَاسْتَمَرَّتْ جِدّاً وَلَمْ یَبْقَ مِنْها إِلاّ صُبابَةً کَصُبابَةِ الاِْناءِ، وَخَسیسِ عَیْش کَالْمَرْعَى الْوَبیلِ، أَلا تَرَوْنَ إِلَى الْحَقِّ لا یُعْمَلُ بِهِ وَإِلى البـاطِلَ یُتَناهى عَنْهُ، لِیَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِی لِقاءِ رَبِّهِ حَقّاً حَقّاً، فَإِنّی لا أَرىَ الْمَوْتَ إِلاَّ سَعادَةً، وَالْحَیاةَ مَعَ الظّالِمینَ إِلاَّ بَرَماً»(3).
وقال العلاّمة المجلسی إنّ الإمام الحسین(علیه السلام) قال:
«إِنَّ النّاسَ عَبیدُ الدُّنْیا وَالدّینُ لَعِقٌ عَلى أَلْسِنَتِهِمْ یَحُوطُونَهُ ما دَرَّتْ مَعائِشُهُمْ فَإِذا مُحِّصُوا بِالْبَلاءِ قَلَّ الدَّیّانُونَ»(4).
رغم فائق الاحترام الذی أبداه ظاهریاً «الحر بن یزید الریاحی» للإمام(علیه السلام)وصلى وصحبه خلفه، لکنّه کان مکلّفاً بالحیلولة دون دخول الإمام(علیه السلام) إلى الکوفة وعدم السماح له بالعودة إلى المدینة، بل أبعد من ذلک جعجع بالأمام(علیه السلام) فی منطقة نائیة حتى تصل التعزیزات فیخضع الإمام(علیه السلام) لمحاصرة تامة.
وما قاله الإمام(علیه السلام): إنّکم دعوتمونی، فأن أبیتم نصرتی، دعونی أعود، إنّما یهدف فی الواقع إلى إتمام الحجّة على تلک الفئة الناکثة للعهود، لأنّ الإمام(علیه السلام) لو أراد العودة، لرجع لما بلغه خبر قتل مسلم وهانی ونقض أهل الکوفة للبیعة، ولم یکن هنالک أی مانع حسب الظاهر. نعم، کان الإمام(علیه السلام) یعتقد أنّ مساره إلى کربلاء میدان المواجهة سیتوج بالشهادة وهذا ما بلغه عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).