بعث الولید والی المدینة لیلاً للحسین(علیه السلام) وعبد الله بن الزبیر. فالتفت ابن الزبیر إلى الإمام(علیه السلام) وقال: ما تراه بعث إلینا فی هذه الساعة التی لم یکن یجلس فیها. قال(علیه السلام): وأنا ما أظن غیره ثم قال:
«إِذاً أُخْبِرُک أَبا بَکْر، إِنّی أَظُنُّ بِأَنَّ مُعاویةَ قَدْ ماتَ، وَذلِکَ أَنّی رَأَیْتُ الْبارِحَةَ فِی مَنامی کَأَنَّ مِنْبَرَ مُعاوِیةَ مَنْکُوسٌ، وَرَأَیْتُ دارَهُ تَشْتَعِلُ ناراً، فَاَوَّلْتُ ذلِکَ فِی نَفْسِی أَنَّهُ ماتَ»(1).
وطبق روایة أبو مخنف قال الإمام(علیه السلام):
«قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ طاغِیَتَهُمْ قَدْ هَلَکَ، فَبَعَثَ، إِلَیْنا لِیَأْخُذَنا بِالْبَیْعَةِ قَبْلَ أَنْ یَفْشُو فِی النّاسِ الْخَبَرُ»(2).
ثم قال عبد الله بن الزبیر فما ترید أن تصنع یا ابن علی؟ فقال(علیه السلام):
«أَصْنَعُ أَنّی لا أُبایِعُ لَهُ أَبَداً، لاَِنَّ الاَْمْرَ إِنَّما کانَ لِی مِنْ بَعْدِ أَخِی الْحَسَنِ(علیه السلام)، فَصَنَعَ مُعاوِیَةُ ما صَنَعَ وَحَلَفَ لاَِخِی الْحَسَنِ(علیه السلام) أَنَّهُ لا یَجْعَلُ الْخِلافَةَ لاَِحَد مِنْ بَعْدِهِ مِنْ وُلْدِهِ أَنْ یَرُدَّها إِلَیَّ إِنْ کُنْتُ حَیّاً، فَإِنْ کانَ مُعاوِیَةُ قَدْ خَرَجَ مِنْ دُنْیاهُ وَلَمْ یَفِ لی وَلا لاَِخی الْحَسَنِ(علیه السلام) بِما کانَ ضَمِنَ فَقَدْ وَاللهِ أَتانا ما لا قِوامَ لَنا بِهِ، أُنْظُرْ أَبا بَکْر أَنّی أُبایِعُ لِیَزیدَ، وَیَزیدُ رَجُلٌ فاسِقٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ یَشْرَبُ الْخَمْرَ وَیَلْعَبُ بِالْکِلابِ وَالْفُهُودِ، وَیُبْغِضُ بَقِیَّةَ آلِ الرَّسُولِ! لا وَاللهِ لا یَکُونُ ذلِکَ أَبَداً»(3).
کانت هذه أول شرارة من یزید بعد موت أبیه معاویة أراد فیها الإستباق وبظنه أخذ البیعة لنفسه من الإمام(علیه السلام) لیجعلها وسیلة لأخذ البیعة من سائر الناس، لکن کیده رد إلى نحره کما سنرى فی البحث القادم ولم یعرف شخصیة الإمام(علیه السلام)، ولا عجب فهو لا یحسن شیئاً من ثقافة أهل بیت النبوة. فلم یکن یعلم بأن الإمام الحسین(علیه السلام) یؤثر الشهادة المقرونة بالقدسیة والعزة والکرامة على بیعة الظلمة الفسقة ویستحیل علیه مد ید البیعة لفاسد وغریب عن الإسلام، ولو فعل لما بقى شیء من دین جده(صلى الله علیه وآله).