وینقل المرحوم المحدّث القمی عن الکامل البهائی: إنّ نساء أهل بیت النبوة أخفین عن الأطفال شهادة آبائهم ویقلن لهم أنّ آباءهم قد سافروا إلى کذا وکذا، وکان الحال على ذلک المنوال حتى أمر یزید بأن یدخلن داره (فی مکان على مقربة من دار یزید) ، وکان للحسین(علیه السلام)بنت صغیرة لها أربع سنین قامت لیلة من منامها وقالت: «أینَ أبِی الحُسین فإنّی رَأیتُهُ السّاعةَ فِی المَنامُ مُضْطَرِباً اضْطِراباً شَدیداً».

فلمّا سمع النسوة ذلک بکین وبکى معهنّ سائر الأطفال وارتفع العویل، فانتبه یزید من نومه وقال: ما الخبر؟

ففحصوا عن الواقعة وقصّوها علیه، فأمر بأن یذهبوا برأس أبیها(علیه السلام) إلیها فأتوا بالرأس الشریف وجعلوه فی حجرها، فقالت: ما هذا؟

قالوا: رأس أبیک.

ففزعت الصبیّة وصاحت، فمرضت وتوفّیت فی أیّامها بالشام.

وروی هذا الخبر فی بعض التألیفات بوجه أبسط ومنه: فجاؤوا بالرأس الشریف إلیها مغطّى بمندیل دیبقی، فوضع بین یدیها وکُشف الغطاء عنه، فقالت: ما هذا الرأس؟

قالوا: إنّه رأس أبیک، فرفعته من الطست حاضنة له وهی تقول:

یا أبَتاه مَن ذا الّذی خَضَبَکَ بِدِمائکَ؟

یا أبَتاه مَن ذا الّذی قَطَعَ وَرِیدَکَ؟

یا أبَتاه مَن ذا الّذی أیتَمَنِی عَلى صِغَر سِنّی؟

یا أبَتاه مَن بَقِیَ بَعدَکَ نَرجو؟

یا أبَتاه مَن للیَتیمةِ حَتّى تَکبُر، وذکر لها من هذه الکلمات.

إلى أن قال الراوی: ثم إنّها وضعت فمها على فمه الشریف وبکت بکاءً شدیداً حتى غشی علیها، فلما حرّکوها فإذا هی قد فارقت روحها الدنیا.

فلمّا رآى أهل البیت ما جرى علیها أعلوا بالبکاء وستجدوا العزاء(1).

ویبقى الکلام عن اسم هذه الصبیّة حیث لم یرد اسمها فی المصادر المعتبرة وإن کان المعروف والمشهور أنّ اسمها «رقیّة» ولها مرقد وضریح مجلل فی دمشق ویزوره فی کل عام آلاف الأشخاص من أتباع أهل البیت(علیهم السلام).

ویروی المرحوم السید ابن طاووس فی حوادث الیوم التاسع من عاشوراء عندما کان الحسین(علیه السلام) یودع نساءه وأطفاله کانت له بنت تدعى رقیّة، یقول: إنّ الإمام الحسین(علیه السلام)نادى: یا اُم کلثوم ویا زینب ویا رقیّة ویا فاطمة ویا رباب ودعاهنّ للصبر والاستقامة(2)، ولکن ابن طاووس لم یذکر هل أنّ رقیة بنت الإمام الحسین(علیه السلام)، وکم عمرها؟

یقول المرحوم العلاّمة السید محسن الأمین فی «أعیان الشیعة»: إنّ رقیّة بنت الإمام الحسین لها قبر فی دمشق ینسب إلیها(3)، وفی «ریاحین الشریعة» أیضاً ورد اسم رقیة(4).

إنّ وفاة هذه البنت الصغیرة للإمام الحسین(علیه السلام) فی خربة الشام وبذلک الوضع المأساوی، ثمّ بناء مرقد وضریح فخم على قبرها وزوال کلّ ما کان لدى بنی اُمیّة من مظاهر برّاقة وقدرة ظاهریة، یمثّل درساً کبیراً لمن یملک البصیرة، فکیف زالت تلک القصور والسلطة العظیمة من الأمویین ولم یبق لها أثر ولکن تلک الخربة وببرکة هذه الطفلة الصغیرة من آل بیت النبوة، تحوّلت إلى بناء شامخ وعمارة مجللة، وهذا الموضوع أخذ حیزاً کبیراً من قصائد الشعر وأدب الاُدباء حیث أنشدوا فی ذلک قصائد عن هذه الصبیة بنت الإمام الحسین(علیه السلام):

1. نفس المهموم، ص 259-260.
2. الملهوف (اللهوف)، ص 141.
3. أعیان الشیعة، ج 7، ص 34.
4. ریاحین الشیعة، ج 3، ص 309.