ورد فی بعض الروایات أنّ ابن عباس أشار على الإمام الحسین(علیه السلام) بمبایعة یزید ومساومة بنی أمیة، فقال(علیه السلام):
«هَیْهاتَ هَیْهاتَ یَا ابْنَ عَبّاسِ إِنَّ الْقَوْمَ لَنْ یَتْرُکُونی وَإِنَّهُمْ یَطْلُبُونَنِی أَیْنَ کُنْتُ، حَتّى أُبایِعَهُمْ کُرْهاً وَیَقْتُلُونی، وَاللهِ إِنَّهُمْ لَیَعْتَدُونَ عَلیَّ کَما اعْتَدَتِ الْیَهُودُ فِی یَوْمِ السَّبْتِ، وَإِنّی ماض فِی أَمْرِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله) حَیْثُ أَمَرَنی، وَإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ»(1).
فقال ابن عباس: سمعت إنّک ترید الذهاب إلى العراق، فلا تعجل وابق فی مکة.
قال(علیه السلام): «لَئِنْ أُقْتَلَ وَاللهِ بِمَکان کَذا أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أُسْتُحِلَّ بِمَکَّةَ، وَهذِهِ کُتُبُ أَهْلِ الْکُوفَةِ وَرُسُلُهُمْ وَقَدْ وَجَبَ عَلیَّ إِجابَتُهُمْ وَقامَ لَهُمُ الْعُذْرُ عَلَیَّ عِنْدَ اللهِ سُبْحانَهُ».
فبکى ابن عباس حتى بلت دموعه لحیته ونادى «واحسیناه، واأسفاه على الحسین» وقیل: إنّ ابن عباس أصرّ على منع الحسین(علیه السلام) من التوجه إلى الکوفة. فکشف(علیه السلام) القرآن فکانت الآیة الشریفة: (کُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ)(2).
فقال(علیه السلام): (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ)(3).
ثم قال: «یَا ابْنَ عَبّاسِ فَلا تُلِحَّ عَلیَّ بَعْدَ هذا فَإِنَّهُ لا مَرَدَّ لِقَضاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(4).
فهذه العبارات تشیر بوضوح أنّه کانت للإمام(علیه السلام) مهمّة إلهیة فی تلک النهضة وکان الإمام(علیه السلام) یجد فی تنفیذها. ولکن أمثال ابن عباس الذین لا علم لهم بما خلف الغیب إنّما ینظرون بعین أخرى إلى المسألة ویؤثرون العافیة والاستسلام لمبایعة یزید.
ویستفاد ضمنیاً من الکلام السابق أنّ الإمام(علیه السلام) کان یعلم ـ على سبیل فرض المحال ـ أنّهم لن یکفّوا عنه وإن إستجاب لتلک البیعة المشینة، فهم یتربصون به الدوائر لقتله، حیث یرونه(علیه السلام) خطراً جدیّاً علیهم، والحق إنّه کذلک!