یروی المرحوم العلاّمة المجلسی عن سعید بن معاذ وعمرو بن سهل: کنّا حاضرین فی مجلس عبیدالله بن زیاد وهو یضرب ثنایا الإمام الحسین(علیه السلام)بقضیب، وکان زید بن أرقم (من أصحاب رسول الله) حاضراً، فلما رأى هذا المنظر قال: یا ابن زیاد إرفع قضیبک، إنّی رأیت رسول الله(صلى الله علیه وآله)واضعاً شفیته على موضع قضیبک، ثم انتحب باکیاً.

ولم یجبه ابن زیاد وخجل من نفسه، وقال: أبکى الله عینیک یا عدوّ الله، لولا أنّک شیخ قد خرفت وذهب عقلک لضربت عنقک!

فقال زید: لأحدثنّک حدیثاً هو أغلظ علیک من هذا، رأیت رسول الله(صلى الله علیه وآله) أقعد حسناً على فخذه الیمنى وحسیناً على فخذه الیسرى فوضع یده على یافوخ کلّ واحد منهما وقال: «اللّهُمَّ إِنّی أسْتَوْدِعُکَ إیّاهُما وَصالِحَ الْمُؤمِنینَ» فکیف کانت ودیعة رسول الله(صلى الله علیه وآله) عندک؟(1).

وطبقاً لروایة الطبری، قام زید بن أرقم وخرج من مجلس ابن زیاد(2).

وعندما خرج قال الناس: إنّ زید بن أرقم قال کلاماً آخر لو سمعه ابن زیاد لقتله.

یقول الراوی لهذا الخبر: فسألت عن ذلک، فقالوا: إنّ زیداً کان یقول عندما عندما مرّ بنا(3): «یا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! أنْتُمُ الْعَبیدُ بَعْدَ الْیَوْمِ، قَتَلْتُمُ ابْنَ فاطِمَةَ وَ أَمَّرْتُمُ ابْنَ مَرْجانَةَ، فَهُوَ یَقْتُلُ خِیارَکُمْ وَ یَسْتَعْبِدُ شِرارَکُمْ، فَرَضیتُمْ بِالذُّلِّ، فَبُعْداً لِمَنْ رَضِیَ بِالذُّلِّ»(4).

وطبقاً لما نقله السید ابن طاووس فإنّ ابن زیاد أمر بعد ذلک برأس الإمام الحسین(علیه السلام)أن یدار فی أسواق الکوفة وأزقّتها إظهاراً للقدرة(5).

إنّ أفضل دلیل على أنّ بنی اُمّیة قد واجهوا الهزیمة النکراء فی کربلاء وأنّ الإمام الحسین(علیه السلام) وأصحابه الشجعان الأوفیاء انتصروا انتصاراً حاسماً، هو هذه الحوادث التیوقعت بعدعاشوراء وجعلت من الأعداء یعیشون التوتر والفضیحة وأخذوا یهدّدون کلّ شخص یقول الحقیقة بقطع بلسانه وقتله، وفی کلّ یوم نرى سنداً جدیداً ضدّ هذه الفئة الظالمة والدمویة بواسطة أحد محبّی أهل البیت(علیهم السلام)فهل یستطیع ابن زیاد إنکار أنّ زید بن أرقم صحابیٌ والحال أنّه من مشاهیر الصحابة؟ هل یستطیع أن یتکلّم بکلام ضد رسول الله(صلى الله علیه وآله)؟ إذا نطق بشیء من ذلک فإنّه یساهم فی تعبئة الناس ضدّه وانقلابهم علیه، ولذلک نراه یضطرّ لاستخدام لغة التهدید والقتل والصبر والشتم.

1 . بحار الأنوار، ج 45، ص 118 .
2 . المصدر السابق، ص 117: خرج وهو رافعاً صوته بالبکاء والنحیب.
3 . بحارالأنوار، ج 45، ص 117: «مَلَکَ عَبْدٌ حُرّاً».
4 . تاریخ الطبری، ج 4، ص 349; بحارالأنوار، ج 45، ص 116 (مع اختلاف یسیر).
5. الملهوف (اللهوف)، ص 203 .