کان الإمام الحسین(علیه السلام) فی مکة یتلقى رسائل أهل الکوفة التی دعوه فیها بالقدوم إلیهم. فکتب (علیه السلام) رسالة جوابیة بعثها مع آخر رسلهم هانی بن هانی وسعید بن عبدالله. والرسالة:
«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ، مِنَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیّ،إِلَى الْمَلأِ مِنَ الْمُؤْمِنینَ وَالْمُسْلمینَ، أَمّا بَعْدُ: فَإِنَّ هانِئاً وَسَعیداً قَدِما عَلَیَّ بِکُتُبِکُمْ ـ وَکانا آخِرَ مَنْ قَدِمَ عَلَیَّ مِنْ رُسُلِکُمْ ـ وَقَدْ فَهِمْتُ کُلَّ الَّذی اقْتَصَصْتُمْ وَذَکَرْتُمْ، وَمَقالَةَ جُلِّکُمْ إِنَّهُ لَیْسَ عَلَیْنا إِمامٌ فَأَقْبِلْ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ یَجْمَعَنا بِکَ عَلَى الْهُدى وَالْحَقِّ.
وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ أَخی وَابْنَ عَمّی وَثِقَتی مِنْ أَهْلِ بَیْتی مُسْلِمَ بْنَ عَقیل وَأَمَرْتُهُ أَنْ یَکْتُبَ إِلَیِّ بِحالِکُمْ وَأَمْرِکُمْ وَرَأْیِکُمْ.
فَإِنْ کَتَبَ إِلَیَّ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ رَأْیُ مَلَئِکُمْ، وَذَوِی الْفَضْلِ وَالْحِجى مِنْکُمْ، عَلى مِثْلِ ما قَدِمَتْ عَلَیَّ بِهِ رُسُلُکُمْ، وَقَرَأْتُ فِی کُتُبِکُمْ، أَقْدِمُ عَلَیْکُمْ وَشیکاً إِنْ شاءَ اللهُ، فَلَعَمْری مَا الاِْمامُ إِلاَّ الْعامِلُ بِالْکِتابِ، وَالاْخِذُ بِالْقِسْطِ، وَالدّائِنُ بِالْحَقِّ، وَالْحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللهِ وَالسَّلامُ»(1).
لقد عرض أهل الکوفة أنفسهم لامتحان جدید بکتابتهم تلک الرسائل للإمام(علیه السلام)والتی أعربوا فیها عن انضوائهم تحت لوائه واستعدادهم التام لمواجهة أعداء الإسلام معه. ورغم علم الإمام(علیه السلام) بسوء سابقتهم على عهد أبیه وأخیه، لکنه کان یأمل باتعاظهم بالحوادث الألیمة والخطوب التی أشعل نارها حکام بنی أمیة الظلمة وعدیمو الإیمان، فرد بالإیجاب على جمیع رسائلهم وبعث بسفیره مسلم بن عقیل ذلک الرجل الشجاع والمخلص لاختبار حقیقة نوایاهم. فاتجه مسلم نحو الکوفة رغم علمه بمخاطر الحرکة، إلاّ أنّ التجربة أثبتت أنّ أهل الکوفة ـ سوى فئة قلیلة ـ هم أولئک الغدرة المکرة الذین کانوا على ما هم علیه سابقاً.