ومن الحوادث المفجعة التی وقعت فی غروب عاشوراء، حرق الخیام، وهذه الحادثة المؤلمة وقعت عندما کانت أجساد الشهداء للإمام الحسین وأصحابه متناثرة فی الصحراء، وقبل ذلک أغار الجیش على الخیام وسلب ما فیها من ثیاب وزینة للنساء من آل بیت الرسول(صلى الله علیه وآله)، وقد شهدت الشمس فی ذلک الیوم حوادث عجیبة فأسرعت إلى المغیب وأسدل اللیل بظلاله على تلک المنطقة، وبقی آل بیت الرسول(صلى الله علیه وآله) بهذه الحالة المؤلمة، وهجم الأعداء على المخیم لغرض حرق الخیام فی حین وقف أحد أفراد جیش ابن سعد یقول: «أَحْرِقُوا بُیُوتَ الظّالِمینَ!!».

وأسرعت النار فی الخیام وسرعان ما تحوّلت الخیام إلى حطام ورماد وخرجت بنات رسول الله(صلى الله علیه وآله) من الخیام هرباً من النیران ولاذ بعض صغار الأیتام بعمّتهم الحوراء زینب(علیها السلام) والبعض الآخر فرّوا إلى الصحراء واختفوا عن الأنظار، بعضهم أخذ یستغیث بالأعداء القساة ویتوسل إلیهم لعلهم ترق قلوبهم وتتحرک عواطفهم.

إنّ استعراض هذه الذکرى المؤلمة کانت تثیر الحزن والغم لآل البیت(علیهم السلام)وکان الإمام زین العابدین(علیه السلام) عندما یتذکر حوادث عاشوراء یبکی ویقول: «وَاللهِ ما نَظَرْتُ إلى عَمّاتِی وأخَوَاتی إلاّ وَخَنَقَتْنِی الْعَبْرَةُ وَتَذَکَّرْت فِرارَهُنَّ مِنْ خَیْمَة إلى  خَیْمَة، وَالمُنادی یُنادی: أحْرِقُوا بُیوتَ الظّالِمِینَ»(1).

وکذلک سائر الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) کانوا عندما یتذکرون حادثة احراق خیام الإمام الحسین(علیه السلام) فإنّهم یشعرون بالحزن والألم.

ونقرأ فی روایة أنّ المنصور الدوانیقی عندما أمر باحراق بیت الإمام الصادق(علیه السلام)جاء بعض الشیعة إلى الإمام فرآه باکیاً حزیناً فسألوه عن ذلک فقال: «لَمّا أَخَذَتِ النّارُ ما فِی الدِّهْلیزِ نَظَرْتُ إلَى نِسائِی وَبَناتِی یَتَراکَضْنَ فِی صَحْنِ الدّارِ مِنْ حُجْرَة إلى حُجْرَة وَمِنْ مَکان إلى مَکان، هذا وَأَنا مَعَهُنَّ فی الدّارِ فَتَذَکَّرْتُ فِرارَ عِیالِ جَدِّیَ الْحُسَیْنِ(علیه السلام) یَوْمَ عاشُورا مِنْ خَیْمَة إلى خَیْمَة وَمِنْ خِباء إلى خِباء»(2).

إنّ حرق خیام النساء والأطفال الصغار یحکی عن أنّ غرض العدو القضاء على ذریة رسول الله(صلى الله علیه وآله) وطمس معالم الرسالة، وهذه الحوادث تشیر إلى قساوة قلوب هؤلاء الأعداء وشدّة مظلومیة أهل البیت(علیهم السلام)، والحمد الله على أنّ هذه الأعمال الوحشیة والسلوکیات المجرمة قد کشفت القناع عن نیّاتهم المشؤومة وفضحتهم أمام الملأ والتاریخ.

1. انظر: حیاة الإمام الحسین(علیه السلام)، ج 3، ص 298-299.
2. مأساة الحسین، ص 117 .