یفید التحقیق بشأن الحوادث المتصلة لذلک العصر أنّ معاویة کان یتقدم خطوة بعد کل حادثة مهمّة نحو الخلافة وبسط السلطة على جمیع البلاد الإسلامیة، فیوم تعلل فی نصرة عثمان فمهد السبیل لقتله فأزاح من طریقه للخلافة هذه العقبة الکؤود، ویوم آخر یؤلب طلحة والزبیر وسائر أعوان بنی أمیة لیقوم بدوره المشبوه خلف کوالیس الجمل فأدى ذلک إلى مقتل منافسیه الشدیدین. وأخیراً فکر فی خطته المشؤومة والبالغة الخطورة، فقام بتبنی مظلومیة عثمان(1) فزعم المطالبة بدمه من جهة، ومن جهة أخرى هب لمواجهة الإمام(علیه السلام)مباشرة بعد أن عبد الطریق باتجاه الخروج على خلیفة المسلمین عقب معرکة الجمل، فعبأ أهل الشام وجنّدهم لقتال الإمام(علیه السلام) الذین تربوا عشرین عاماً على مفردات الجهل والحمق فی مدرسة معاویة.

استغرق قتال أهل الشام لجیش الإمام علی(علیه السلام) عدّة أشهر، وکما نعلم أنّ اللحظات الأخیرة شهدت قیام عمرو بن العاص بتلک الخطة الشیطانیة فی رفع المصاحف على أسنة الرماح لیتغیر مصیر المعرکة بعد أن اندفعت تلک الثلّة من الأبطال کمالک الأشتر لیخترق جبهة الشام لیوشک على القضاء على ممثل صرح العصر الجاهلی وإلى الأبد وینشر حکومة العدل العلوی على أرجاء البلاد الإسلامیة کافّة. والرجال الذین قاتلوا ببسالة لأشهر فی معسکر علی(علیه السلام) وأوشکوا على تحقیق النصر وهنوا مقابل تلک الخدعة وانطلَت علیهم اللعبة، بالتالی آل الأمر إلى التحکیم الذی تمکن فیه حاکم الشام عمرو بن العاص المراوغ المعروف من خداع حاکم العراق أبی موسى الأشعری، فکانت هزیمة منکرة منوا بها، غیر أنّهم قارفوا فضیحة أخرى لتدارک الهزیمة فتذرعوا ببعض الحجج الواهیة لیعتزلوا جبهة الإمام(علیه السلام) لیلتحقوا نهایة المطاف بتلک الفئة التی عرفت لاحقاً بالخوارج. وهی الفئة التی أدّت بجهلها وتحجرها من جانب وخداعها من جانب آخر إلى خلق هوة عمیقة بین المسلمین وأشعلوا بنیران جهلهم فتیل فتنة أخرى هی معرکة النهروان.

1 . کان معاویة یثیر مشاعر أهل الشام من خلال رفعه لقمیص عثمان ویقیم مجالس العزاء علیه ویؤلب الناس ضد علی (علیه السلام). راجع تاریخ الطبری، ج 3، ص 464.