ونزل الإمام الحسین(علیه السلام) فی موضعه ذلک ونزل الحر بن یزید حذاءه فی ألف فارس ودعا الحسین بدواة وقرطاس وکتب إلى أشراف الکوفة ممن کان یظن أنّه على رأیه.
«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، مِنَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیّ إِلى سُلَیْمانِ بْنِ صُرَد، وَالْمُسَیِّبِ بْنِ نَجْبَةَ، وَرُفاعَةَ بْنِ شَدّاد، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ وال، وَجَماعَة الْمُؤْمِنینَ، أَمّا بَعْدُ: فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله) قَدْ قالَ فِی حَیاتِهِ: (مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَُمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِ اللهِ بِالاِْثْمِ وَالْعُدْوانِ ثُمَّ لَمْ یُغَیِّرْ بِقَوْل وَلا فِعْل، کانَ حَقیقاً عَلَى اللهِ أنْ یُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ). وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هؤُلاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّیْطانِ، وَتَوَلَّوْا عَنْ طاعَةِ الرَّحْمنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَیءِ، وَأَحَلُّوا حَرامَ اللهِ وَحَرَّمُوا حَلالَهُ، وَإِنِّی أَحَقُّ بِهذَا الاَْمْرِ لِقَرابَتِی مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله).
وَقَدْ أَتَتْنی کُتُبُکُمْ وَقَدِمَتْ عَلَیَّ رُسُلُکُمْ بِبَیْعَتِکُمْ أَنَّکُمْ لا تُسَلِّمُونی وَلا تَخْذُلُونی، فَإِنْ وَفَیْتُمْ لِی بِبَیْعَتِکُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ حَظَّکُمْ وَرُشْدَکُمْ، وَنَفْسی مَعَ أَنْفُسِکُمْ، وَأَهْلی وَوِلدی مَعَ أَهالِیکُمْ وَأَوْلادِکُمْ، فَلَکُمْ بِی أُسْوَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهودَکُمْ، وَخَلَّعْتُمْ بَیْعَتَکُمْ فَلَعَمْری ما هِیَ مِنْکُمْ بِنُکْر، لَقَدْ فَعَلْتُمُوها بِأَبی وَأَخی وَابْنِ عَمِّی! وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِکُمْ، فَحَظَّکُمْ أَخْطَأْتُمْ وَنَصیبَکُمْ ضَیَّعْتُمْ (فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى نَفْسِهِ) وَسَیُغْنِی اللهُ عَنْکُمْ، وَالسَّلامُ»(1).
ثم طوى الکتاب وختمه ودفعه إلى قیس بن مسهر الصیداوی وساق الحدیث کما مرّ ثم قال: ولما بلغ الحسین قتل قیس استعبر باکیاً ثم قال:
«اللّهُمَّ اجْعَلْ لَنا وَلِشیعَتِنا عِنْدَک مَنْزِلا کَریماً، وَاجْمَعْ بَیْنَنا وَبَیْنَهُمْ فِی مُسْتَقَر مِنْ رَحْمَتِکَ إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ»(2).
أتمّ الإمام(علیه السلام) الحجّة مرّة أخرى فی هذه الرسالة التی کتبها لعامة أهل الکوفة ـ سیما أشرافها ـ فکشف من جانب وظیفتهم الخطیرة فی النهضة ضد جنود الشیطان وأئمّة الکفر والطغیان والفساد، ومن جانب آخر یذکرهم بعهدهم وبیعتهم فی دعم أهدافه.
والجدیر بالذکر أنّه(علیه السلام) لم یشترط قیام ثورته بنهضتهم وقیامهم ویعلن عن عزمه وجزمه على النهضة بعد التوکل على الله والتضحیة بآخر قطرة دم. فهذه الأهداف لا تنشد حکومة ولاتبتغی مقاماً; بل تقتصر على مقارعة المستبدین والطواغیت والحکام الجائرین وأولئک الذین ضربوا القیم السماویة عرض الحائط والفوز برضى الله.