قام معاویة ـ بغیة تحقیق أطماعه وترسیخ سلطته التی کان شغفاً بها ـ بالتطاول على الأحکام الإسلامیة فابتدع فی الدین، ولعل أهم بدعة حرفه الخلافة عن مسارها الصحیح واستبدالها بالسلطة الملوکیة الوراثیة، ولاسیما استخلافه لولده الفاسق یزید. ولعلنا ندرک جدیة خطورة هذا الأمر من خلال ما قاله الإمام الحسین(علیه السلام) فی جمع من الصحابة والأنصار وأبنائهم فی منى رغم وجود عیون معاویة هناک، إذ قال(علیه السلام):
«فإنَّی أَخَافُ أَنْ یَنْدَرِسَ هَذَا الحَقُّ وَیَذهَبَ»(1).
وقد صرح معاویة أنّه لم یلی الخلافة بحبّ الناس ولا رضاهم بحکومته، بل بالسیف(2). وعلیه فلیست هنالک من ضرورة لرعایة مصالح الأمّة.
وقال الجاحظ: «إنّ معاویة سمى العام الذی ولى فیه الخلافة بعام الجماعة، کان ذلک العام، عام الفرقة والقهر والغلبة، العام الذی أصبحت فیه الخلافة وراثة کحکومة کسرى وقیصر»(3).
وقد عدّ معاویة نفسه أول ملک فی الإسلام(4).
وکان سعید بن المسیب یقول: إنّ معاویة أول من بدل الخلافة إلى ملوکیة(5).
وقد ذکر أبو الأعلى المودودی فی کتابه الخلافة والملوکیة بعض الفوارق بین حکومة معاویة ومن سبقه من الخلفاء منها: ـ
أولاً: تغییر طریقة تعیین الخلیفة. حیث کان یعمد معاویة لکل وسیلة من أجل الخلافة.
ثانیاً: تغییر حیاة الخلفاء والاستفادة من أسالیب ملوک الروم وإیران.
ثالثاً: کیفیة صرف بیت المال. فقد أصبح بیت المال على عهد معاویة ثروة شخصیة ولم یستطع أحد محاسبة الخلیفة.
رابعاً: إنتهاء حریة التعبیر عن العقیدة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والذی بدأ فی عهد معاویة منذ قتل (حجر بن عدی).
خامساً: نهایة حریة القضاء فی الإسلام.
سادساً: نهایة حکومة الشورى.
سابعاً: ظهور التعصب القبلی.
ثامناًا: غلبة الرغبات الشخصیة على القانون(6).
وقال ابن أبی الحدید بعد نقله لکلام بشأن بدع معاویة: «وأمّا أفعاله الظاهرة من قبیل: لبسه الحریر وشربه فی آنیة الذهب والفضة واستئثاره بمال الفیء وإسقاط الحد عمن یستحق إقامة الحد علیه وإستلحاقه زیاداً وهو یعلم قول رسول الله(صلى الله علیه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وقتله حجر بن عدی وأصحابه ومهانته لأبی ذر وإشخاصه إلى المدینة على قتب بصیر، ولعنه علیاً وحسناً وحسیناً وابن عباس على منابر الإسلام وعهده بالخلافة إلى أبنه یزید مع ظهور فسقه وشربه المسکر جهاراً ... کل ذلک دلیل على کفره وإلحاده»(7).
وکان معاویة لا یعرف من حد لبدعه، کما لا یکترث للآخرین. قال أبو الدرداء: قلت لمعاویة إنّی سمعت رسول الله(صلى الله علیه وآله) یقول: «إنّ الشّاربَ فیها ـ آنیة الذهب والفضة ـ لَیُجرجَر فِی جَوفِهِ نارُ جَهنّم» قال معاویة: «أمّا أنا فلا أرى بذلک بأساً».
فقال أبو الدرداء: «من عذیری من معاویة! أنا أخبره عن الرسول(صلى الله علیه وآله) وهو یخبرنی عن رأیه! لا أساکنک بأرض أبداً»(8).
وقد جمع المرحوم العلاّمة الأمینی فی کتابه النفیس الغدیر البدع التی أتى بها معاویة على ضوء الوثائق والشواهد الواضحة، وإلیک طائفة منها، ولمن أراد المزید فلیطالع الجزء الحادی عشر من الغدیر. فقد ذکر هذا المحقق : کان معاویة أول من أحدث الأذان فی صلاة العیدین، ورأى الجمع بین الأختین، غیر السنة فی الدیات، عصى ربه بترک حدوده وإقامة سنته، حمل إلیه رأس الصحابی العادل عمرو بن الحمق، بدل الخلافة الإسلامیة إلى شر ملک وسلطة سوء، شن الغارة على مدینة الرسول(صلى الله علیه وآله)حرم أمن الله، قدم الخطبة على الصلاة فی العید لإسماع الناس سب علی(علیه السلام)، ترک التلبیة (فی مراسم حج بیت الله)، أعطى المال لوضع الحدیث، اشترط البراءة من علی(علیه السلام) على مَن بایعه، هتک دین الله باستخلافه یزید الفاجر التارک للصلاة، سب علی وقنت به وجعله سنة جاریة(9).
هذا جانب من فجائع معاویة فی تغییر الأحکام ونقض سنة النبی(صلى الله علیه وآله) وتجاوز التعالیم الإسلامیة، ولو تصفح شخص تاریخ حیاته وسائر عناصر بنی أمیة لعثر على نماذج أخرى. والحق لو استمرت تلک الحکومة الظالمة الغریبة عن الإسلام لما بقی شیء من الإسلام، والوثائق المتوفرة لا تدع مجالاً لإنکار هذا الکلام. وإننا لنستغرب علة عصب البعض لعینیه فیثنی على معاویة رغم کل هذه الجرائم. حقّاً إنّ ذلک مدعاة للذهول والدهشة! أین الإنصاف(10)؟!