تقدم الحسین(علیه السلام) حتى وقف بإزاء القوم فجعل ینظر إلى صفوفهم کأنّهم السیل ونظر إلى ابن سعد واقفاً فی صنادید الکوفة فقال:
«اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِی خَلَقَ الدُّنْیا فَجَعَلَها دارَ فَناء وَزَوال، مُتَصَرِّفَةً بِأَهْلِها حالا بَعْدَ حال، فَالْمَغْرُورُ مَنْ غَرَّتْهُ وَالشَّقُّیُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلا تَغُرَّنَّکُمْ هذِهِ الدُّنْیا، فَإِنَّها تَقْطَعُ رَجاءَ مَنْ رَکَنَ إِلَیْها، وَتُخَیِّبُ طَمَعَ مِنْ طَمِعَ فیها، وَأَراکُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلى أَمْر قَدْ أَسْخَطْتُمُ اللهَ فیهِ عَلَیْکُمْ، وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الْکَریمِ عَنْکُمْ، وَأَحَلَّ بِکُمْ نِقْمَتَهُ وَجَنَّبَکُمْ رَحْمَتَهُ، فَنِعْمَ الرَّبُ رَبُّنا، وَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتُمْ، أَقْرَرْتُمْ بِالطّاعَةِ، وَآمَنْتُمْ بِالرَّسُولِ مُحَمَّد(صلى الله علیه وآله) ثُمَّ إِنَّکُمْ زَحَفْتُمْ إِلى ذُرِّیَّتِهِ وَعِتْرَتِهِ تُریدُونَ قَتْلَهُمْ، لَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَیْکُمُ الشَّیْطانُ، فَأَنْساکُمْ ذِکْرَ اللهِ الْعَظیمِ، فَتَبّاً لَکُمْ وَلِما تُریدُونَ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ، هؤُلاءِ قَوْمٌ کَفَرُوا بَعْدَ إِیمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ».
فقال عمر: ویلکم کلّموه فإنّه ابن أبیه والله لو وقف فیکم هکذا یوماً جدیداً لما انقطع ولما حصر فکلّموه. فتقدم شمر لعنه الله فقال: یا حسین ما هذا الذی تقول أفهمنا حتى نفهم. فقال: أقول:
«إِتَّقُوا اللهَ رَبَّکُمْ وَلا تَقْتُلُونی، فَإِنَّهُ لا یَحِلُّ لَکُمْ قَتْلی وَلاَ انْتِهاکُ حُرْمَتی، فَإِنّی ابْنُ بِنْتِ نَبِیِّکُمْ وَجَدَّتِی خَدیجَةُ زَوْجَةُ نَبِیِّکُمْ، وَلَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَکُمْ قَوْلُ نَبِیِّکُمْ: الْحَسَنُ وَالْحُسَیْنُ سَیّدا شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ»(1).