وصل الحسین(علیه السلام) وصحبه والحر وجیشه موضع «البیضة»(1) فخطب الإمام لأصحابه وجیش الحر، فحمد(علیه السلام) الله وأثنى علیه وقال:
«أَیُّهَا النّاسُ; إِنَّ رَسُولُ اللهِ(صلى الله علیه وآله) قالَ: (مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلا لِحُرَمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِ اللهِ بِالاِْثْمِ وَالْعُدْوانِ فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفِعْل، وَلاَ قَوْل، کانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ یُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ). ألا وَإِنَّ هؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّیْطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَاَظْهَرُوا الفَسادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَیءِ، وَأَحَلُّوا حَرامَ اللهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَ اللهِ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَیَّرَ.
قَدْ أَتَتْنی کُتُبُکُمْ، وَقَدِمَتْ عَلَیَّ رُسُلُکُمْ بِبَیْعَتِکُمْ أَنَّکُمْ لا تُسَلِّمُونی وَلا تَخْذُلُونی، فَإِنْ تَمَمْتُمْ عَلى بَیْعَتِکُمْ تُصیبُوا رُشْدَکم، فَأَنَا الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیّ، وَابْنُ فاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله)، نَفْسی مَعَ أَنْفُسِکُمْ، وَأَهْلی مَعَ أَهْلیکُمْ، فَلَکُمْ فِیَّ أُسْوَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَکُمْ، وَخَلَّعْتُمْ بَیْعَتی مِنْ أَعْناقِکُمْ فَلَعَمْری ما هِیَ لَکُمْ بِنُکْر، لَقَدْ فَعَلْتُمُوها بِأَبی وَأَخی وَابْنِ عَمِّی مُسْلِم! وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِکُمْ، فَحَظَّکُمْ أَخْطَأْتُمْ، وَنَصیبَکُمْ ضَیَّعْتُمْ (فَمَنْ نَّکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ)(2) وَسَیُغْنِی اللهُ عَنْکُمْ، وَالسَّلامُ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ»(3) .
فعندما انتهى الحسین(علیه السلام) من خطبته جاءه أصحابه بأجمعهم وأعلنوا عن بیتعتهم ووفائهم بعهدهم وأن یمضوا فی نصرته، فدعا لهم الحسین(علیه السلام) وطلب من الله عزّوجل لهم الخیر والسعادة.
فقد شرح الإمام(علیه السلام) بهذه الخطبة التأریخیة جمیع أهدافه من هذه النهضة الملحمیة، حیث یستضاء بنوره فی کل عصر ومصر. ویرى الإمام(علیه السلام) أنّ نهضته ستکون القدوة للمسلمین کافّة للثورة على الحکّام الظلمة. الظلمة والطواغیت الذین لم یقتصر جورهم على استعباد العباد، بل جاوزوا ذلک لیحلوا حرام الله ویحرموا حلاله.
حقّاً لا یجوز لمسلم السکوت تجاه هؤلاء الأفراد! ذلک أنّ السکوت یعنی تقریر أفعالهم، وتقریر أفعالهم یؤدی إلى وحدة مصیر الساکت والظالم الجائر. نعم، لابدّ أن یصرخ الجمیع ویثور لیحطم عروش الطواغیت، وأولى الناس بهذا الأمر ابن النبی(صلى الله علیه وآله) والإمام المعصوم(علیه السلام).
فهل هنالک من منطق أبلغ وأسمى من هذا!