ثم إنّ جیش أهل الکوفة بقیادة «شمر» حاصر خیام الحسین، فأمرهم شمر بالدخول إلى الخیام ونهب جمیع ما فیها، فلما سمع أرذال أهل الکوفة هذا الأمر تسابقوا للهجوم على مخیم الحسین(علیه السلام) وأخرجوا بنات رسول الله(صلى الله علیه وآله) وذریة فاطمة الزهراء(علیها السلام) من الخیام وهم فی حالة یرثى لها من ا لبکاء والعویل.

وکان الأعداء یأخذون کل ما یجدونه فی مخیم الحسین(علیه السلام) حتى أنّ أحدهم جاء إلى اُم کلثوم بنت أمیرالمؤمنین(علیه السلام) ومدّ یده وسحب قرطها وخرم اُذنها(1). ونظر رجل من جیش عمر بن سعد إلى جاریة صغیرة للإمام الحسین(علیه السلام) وفی رجلیها خلخالان من ذهب فجعل ینزع الخلخالین من رجلیها وهو یبکی، فقالت له: ما یبکیک یا عدوّ الله؟ فقال: کیف لا أبکی وأنا أسلب ابنة رسول الله(صلى الله علیه وآله). فقالت: فاطمة بنت الحسین(علیه السلام): لا تسلبنی. قال: أخاف أن یجیء غیری فیأخذه!(2)

ونقرأ فی روایة: أنّ جیش عمر بن سعد عندما هجم على مخیم الحسین(علیه السلام)صاحت الحوراء زینب(علیها السلام): یا عمر بن سعد، إذا کنت ترید المال والزینة للنساء فنحن نعطیک إیّاها فامنع رجالک لا یمدوا أیدیهم إلى حرم رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وکانت الحوراء زینب(علیها السلام) قد ارتدت ثوباً خلقاً وأمرت النسوة أن یجمعن کل ما لدیهنّ من زینة ومال فی مکان واحد، فأخرجن بنات الرسالة ما یرتدین من زینة حتى أنّ فاطمة بنت الإمام الحسین(علیه السلام) کانت جدیدة العهد بالزواج، وکان لدیها أقراط من أبیها الحسین(علیه السلام)، فخافت عمّتها زینب أن تمتد إلیها ید الرجال الأجانب ویأخذونها منها فلم تسمح لها بالاحتفاظ بها، واجتمع النسوة والأطفال فی زاویة من الخیمة، فقالت الحوراء زینب للأعداء: کل من یرید أن یأخذ من أموال بنات علی وفاطمة(علیهما السلام) فلیأخذ منها، فجاء بعض الأعداء ونهبوا جمیع محتویات المخیم(3).

وفی هذه الأثناء، کانت امرأة من قبیلة بکر بن وائل مع زوجها فی جیش عمر بن سعد، فلم تتحمل هذه المرأة ما رأته من انتهاک لحرمة الرسالة وأهل بیت النبوة وتحرکت للدفاع عن بنات الرسالة وأخذت سیفاً ونادت رجال قبیلتها فقالت: «یا آلَ بَکر أَتُسْلَبُ بَناتُ رَسُولِ اللهِ! لا حُکْمَ إلاّ لِلّهِ، یالَثاراتِ رَسُولِ اللهِ».

فجاء زوجها وأعادها إلى مکانها(4).

وکانت هذه أول صرخة للطلب بثأر تلک الدماء الزکیة التی سفکت فی کربلاء، وقد روی عن فاطمة بنت الحسین(علیه السلام): کنت واقفة بباب الخیمة وأنا أنظر إلى أبی وأصحابه مجزّرین کالأضاحی على الرمال والخیول على أجسادهم تجول وأنا اُفکر فیما یقع علینا من بعد أبی من بنی اُمیّة، أیقتلوننا أو یأسروننا؟ فإذا برجل على ظهر جواده یسوق النساء بکعب رمحه وهنّ یلذن بعضهنّ ببعض وقد أخذ ما علیهن من أخمرة وأسورة وهنّ یصحن: «واجَدّاه وا أَبَتاه، وا عَلِیّاه، واقِلَّةَ ناصِراه واحَسَناه، أَما مِنْ مُجیر یُجیرُنا، أَما مِنْ ذائِد یَذُودُ عنَّا».

قالت فاطمة الصغرى(علیها السلام): فطار فؤادی وارتعدت فجعلت اُجیل بطرفی یمیناً وشمالاً أبحث عن عمّتی أُم کلثوم خشیة منه أن یأتینی.

فبینما أنا على هذه الحالة وإذا بالرجل قد قصدنی ففررت منهزمة وأنا أظنّ أنی أسلم منه وإذا به قد تبعنی فذهلت خشیة منه وإذا بکعب الرمح بین کتفی، فسقطت على وجهی فانخرم اُذنی وأخذ قرطی ومقنعتی وترک الدماء تسیل على خدی ورأسی تصهره الشمس وولّى راجعاً إلى المخیم وأنا مغشیّ علیَّ، وإذا أنا بعمتی عندی تبکی وهی تقول:

«قُومی نَمضی ما أعلمُ ما جرى عَلى البناتِ وأخیکِ العَلیل، فقُمتُ وَقلتُ: یا عَمَّتاه! هَلْ مِنْ خِرْقَة أَسْتُرُ بِها رَأْسِی».

فقالت عمّتی زینب(علیها السلام): «یا بِنْتاه! وَعَمَّتُکِ مِثْلُکِ» فرأیت رأسها مکشوفة ومتنها قد إسودّ من الضرب(5).

1 . بحار الأنوار، ج 45، ص 60; مقتل الحسین، المقرم، ص 300 .
2 . أمالى الصدوق، المجلس 31، ح 2; بحار الانوار، ج 45، ص 82 .
3. انظر: أنساب الأشراف، ج 3، ص 204.
4 . بحار الأنوار، ج 45، ص 58; نفس المهموم، ص 201-202.
5 . بحار الأنوار، ج 45، ص 60-61; مقتل الحسین، المقرّم، ص 300 .