بعد هذه الحادثة تغیّرت الأوضاع السیاسیة ضدّ یزید، فاُعلم یزید أنّ بقاء أهل البیت(علیهم السلام) فی الشام یشکّل خطراً جادّاً علیه، فعزم أن یردّهم إلى مدینة رسول الله(صلى الله علیه وآله)، ولهذا قال لعلیّ بن الحسین(علیه السلام): اُذکر حاجاتک الثلاث اللاتی وعدتُک بقضائهنّ.

فقال الإمام زین العابدین(علیه السلام): الاُولى: أن تُرِینی وَجْهَ سَیّدی وأبِی ومَولای الحُسین فأتَزوّدَ وأنظرَ إلیهِ واُودّعهُ.

الثانیة: أن تَرُدَّ عَلینا ما اُخذ مِنّا.

الثالثة: إنْ کُنتَ عَزَمْتَ عَلى قَتْلی أن تُوَجِّه مَن یَرُدُّهنُّ إلى حَرَمِ جَدِّهنّ .

فقال یزید: أما وجه أبیک الحسین فلن تراه أبداً، وأمّا قتلک فقد عفوت عنک، وأمّا النساء فما یردّهن إلى المدینة غیرک، أمّا ما اُخذ منکم فأنا اُعوّضکم عنه أضعاف قیمته.

فقال الإمام زین العابدین(علیه السلام): (...لاِنَّ فیهِ مِغْزَلَ فاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّد، وَ مِقْنَعَتَها، وَقِلادَتَها، وَقَمِیصَها).

فأمر یزید بن معاویة بردّ ذلک وزاد علیه مائتی دینار، فأخذها الإمام(علیه السلام)وفرّقها على الفقراء والمساکین(1).

وکذلک روی أنّه لمّا أراد سبایا آل محمّد(صلى الله علیه وآله) العودة إلى المدینة من الشام أحضر یزید لهم المحامل وزیّنها وأمر بالأقطاع الأبریسم وصبّ علیها الأموال، وقال: یا اُمّ کلثوم خذوا هذه الأموال عوض ما أصابکم.

فقالت اُم کلثوم(علیها السلام): «یا یزیدُ ما أقلَّ حَیاءَکَ وأصْلَبَ وَجهَکَ، تَقتُلُ أخِی وأَهل بیتِی وتُعطینی عَوضَهم مالاً، واللهِ لا کانَ ذلک أبداً»(2).

وهذه الواقعة تبیّن أنّ الوعی العام فی الشام قد انقلب على یزید بحیث إنّه رأى نفسه الطرف المهزوم فی هذه المواجهة التاریخیة، ولذلک اضطر بهذه الأمور لإصلاح الخلل ورأب الصدع للتقلیل من غضب الناس وامتصاص سخطهم، ولکن أهل البیت(علیهم السلام) من خلال إظهار غضبهم وعدم استسلامهم لمطالب یزید، ساهموا فی إبقاء هذه الحوادث المرّة فی أذهان أهل الشام وبذلک منحوا المجتمع الإسلامی حیویة وحرکة ضدّ الحکومة الجائرة لبنی اُمیة والتی تجسّدت فی المواجهات والثورات اللاحقة.

1. الملهوف (اللهوف)، ص 224.
2. بحار الأنوار، ج 45، ص 197 (مع اختلاف یسیر).