أرسل الحسین إلى عمر بن سعد لعنه الله إنی أرید أن أکلمک فالقنی اللیلة بین عسکری وعسکرک فخرج إلیه ابن سعد فی عشرین وخرج إلیه الحسین فی مثل ذلک فلما التقیا أمر الحسین(علیه السلام) أصحابه فتنحوا عنه وبقی معه أخوه العباس وابنه علی الأکبر وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه وبقی معه ابنه حفص وغلام له. فقال له الحسین(علیه السلام):
«وَیْلَکَ یَا ابِن سَعْد أَما تَتَّقِی اللهَ الَّذِی إِلَیْهِ مَعادُک؟ أَتُقاتِلُنِی وَأَنَا ابْنُ مَنْ عَلِمْتَ؟ ذَرْ هؤُلاءِ الْقَوْمَ وَکُنْ مَعی، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لَکَ إِلَى اللهِ تَعالى».
فقال عمر بن سعد: أخاف أن یهدم داری فقال الحسین(علیه السلام) «أَنَا أَبْنیها لَکَ» فقال: أخاف أن تؤخذ ضیعتی فقال الحسین(علیه السلام):
«أَنَا أُخْلِفُ عَلَیْکَ خَیْراً مِنْها مِنْ مالِی بِالْحِجازِ».
فقال: لی عیال وأخاف علیهم. ثم سکت ولم یجبه إلى شیء.
فانصرف عنه الحسین(علیه السلام) وهو یقول:
«ما لَکَ ذَبَحَکَ اللهُ عَلى فِراشِکَ عاجِلا، وَلا غَفَرَ لَکَ یَوْمَ حَشْرِک، فَوَاللهِ إِنِّی لاََرْجُو أَلاَ تَأْکُلَ مِنْ بُرِّ الْعِراقِ إِلاّ یَسیراً».
فقال ابن سعد: «وَفِی الشَّعیرِ کِفایَةٌ عَنِ الْبُرِّ» مستهزئاً بذلک القول(1).
کان الإمام(علیه السلام) یتمّ الحجّة فی کل خطوة حتى لا یزعم أحد الفضلة غداً، والطریف أنّ آمر قوات العدو یقر تلویحاً بحقانیة الإمام(علیه السلام) وبطلان عدوه، ولیس له من عذر سوى خشیة قسوتهم وغلظتهم وهذا اعتراف رائع! من جانب آخر کانت جمیع جهود الإمام(علیه السلام)تنصب على إطفاء نیران الحرب، بینما کان العدو یسعى لتأجیجها، متناسین أنّ ألسنة هذه النیران ستتصاعد لتلتهم سلیلی بنی أمیة کافّة.