أتصف الحسین(علیه السلام) وصحبه بعدّة خصائص; إلاّ أنّ أعظمها عزّتهم ورفضهم للذل. فقد فشل العدو رغم مساعیه وضغوطه لاستسلامهم أو حتى سماعه لکلمة منهم فی تأیید خلافة یزید، فخلفوا فی قلوب الأعداء حسرة سماع أدنى کلمة فی الضعف والندم. وأشرقت ظلمة التاریخ بشعار «هَیْهاتَ مِنَّا الذِّلَّةَ»(1). والکلام الخالد «وَاللهِ لاَ أُعْطِیکُمْ بِیَدِی إِعْطاءَ الذَّلِیلِ، وَلاَ أَفِرُّ فَرارَ الْعَبیدِ»(2).
وقد أفرد ابن أبی الحدید فی شرحه للخطبة 51 من نهج البلاغة بحثاً أسماه: «أُباةُ الضَّیْمِ وَأَخْبارُهُمْ» ذکر فیه طائفة ممن حفل بهم تاریخ الإسلام فاستهله قائلاً:
«سَیِّدُ أَهْلِ الاِْباءِ الَّذی عَلَّمَ النّاسَ الْحَمِیَّةَ وَالْمَوْتَ تَحْتَ ظِلالِ السُّیُوفِ اخْتِیاراً عَلَى الدَّنِیَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طالِب عَلَیْهِمَا السَّلامُ; عُرِضَ عَلَیْهِ الاْمانُ وَأَصْحابُهُ فَأَنِفَ مِنَ الذُّلِ»(3).
ولم یقتصر الأمر على الإمام الحسین (علیه السلام) بل عانق جمیع أصحابه فی عاشوراء الشهادة بذروة العزّة والرفعة. ونموذج ذلک رفض أبی الفضل العباس (علیه السلام) الأمان الذی عرضه علیه الشمر(4). لقد أستطاع العدو التمثیل بأجسادهم وتقطیعها إرباً ارباً، غیر أنّه عجز عن النیل من عزّتهم وسموهم الروحی، وما ألطف ما صوره الشاعر لهذه الحقیقة:
قَدْ غَیَّرَ الطَّعْنُ مِنْهُمْ کُلَّ جارِحَة *** إِلاَّ الْمکارِمَ فِی أَمْن من الْغِیَرِ