ثم دعا(علیه السلام) بدواة وبیاض وکتب لأخیه محمد بن الحنفیة هذه الوصیّة:
«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ هذا ما أَوْصى بِهِ الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیِّ بْنُ أَبِی طالِب إِلى أَخیهِ مُحَمَّد الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِیَّةِ أَنَّ الْحُسَیْنَ یَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَریکَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ جاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها، وَأَنَّ اللهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ، وَأَنّی لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِْصْلاحِ فِی أُمَّةِ جَدِّی، أُریدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْکَرِ، وَأَسیرَ بِسیرَةِ جَدِّی وَأَبی عَلیِّ بْنِ أَبِی طالِب(علیه السلام)فَمَنْ قَبِلَنِی بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللهُ أَوْلى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَیَّ هذا أَصْبِرُ حَتّى یَقْضِیَ اللهُ بَیْنی وَبَیْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ، وَهذِهِ وَصِیَّتِی یا أَخی إِلَیْکَ وَما تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ».
ثم طوى الإمام الحسین(علیه السلام) الکتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخیه محمّد ثم ودعه.
فهذه الوصیّة تعکس بصراحة أهداف الإمام(علیه السلام) من ثورته القادمة وتقول: إنّ هدفه لیس توسیعاً ولا تعطشاً للسلطة والسیطرة على الناس أو الحصول على شیء من حطام الدنیا وأموالها ومناصبها; بل الهدف إصلاح الأُمّة الإسلامیة والقضاء على الانحرافات التی خلقها الحکام الفسقة، وإحیاء الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وسنّة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وسیرة علی(علیه السلام).
حقّاً لیس هنالک سوى هذا الهدف الربانی لاقتحام هذا الوادی الخطیر الذی أوجدته طغمة بنی أمیة، وإن لم یرق لأصحاب الراحة والدعة ضیقی الأفق.