کان رجلاً شجاعاً من أهالی الکوفة، ومن جملة الأشخاص الذین کتبوا کتاباً إلى الإمام الحسین(علیه السلام)یدعوه إلى الکوفة.

وبعد دخول ابن زیاد الکوفة وشهادة مسلم بن عقیل خرج مسلم بن عوسجة مع أهله وعیاله والتحقوا بالحسین، وقاتل دونه إلى آخر قطرة من دمه.

وکان عمرو بن الحجاج على میسرة جیش عمر بن سعد، فی حین أنّ زهیر بن القین على میمنة جیش الإمام(علیه السلام)، فحمل زهیر على جیش عمر بن سعد ودارت معرکة شدیدة کان فیها مسلم بن عوسجة حاضراً یقاتل أشدّ القتال وهو یرتجز ویقول:

إنْ تَسْألُوا عَنِّی فَإنّی ذُو لَبَد *** مِنْ فَرْعِ قَوْم مِنْ ذُرى بَنِی أسَد

فَمَنْ بَغانِی حائدٌ عَنِ الرَّشَدِ *** وَ کافِرٌ بِدِینِ جَبّار صَمَد(1)

ولما انجلت غبرة القتال رأى الناس مسلم بن عوسجة وهو ملقىً على الأرض مضرجاً بدمائه، فجاء إلیه الإمام الحسین بن علی(علیه السلام) ومعه حبیب بن مظاهر وجلسا عند رأسه.

فقال له الإمام الحسین(علیه السلام) وکان فیه رمق:

«رَحِمَکَ اللهُ یَا مُسْلِمُ! (مِنْهُمْ مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیلا)»(2).

فقال: حبیب بن مظاهر لمسلم: «عزَّ علیَّ مَصْرَعُکَ یا مُسْلِمْ أبْشِرْ بِالجَنَّةِ».

فقال مسلم بصوت ضعیف: جَزاکَ اللهُ خَیْراً.

فقال حبیب: لو لَم أعلم أنی على الأثر لأحببت أن توصی إلیَّ بما أهمّک.

فقال له مسلم وهو یشیر إلى الإمام الحسین(علیه السلام): «أُوصِیکَ بِهذا أَنْ تَمُوتَ دُونَهُ».

فأجابه فقال حبیب: أفْعَلُ وَرَبِّ الْکَعْبَةِ.

وفی هذه الأثناء أغمض مسلم بن عوسجة عینیه وفارق الحیاة ونال مرتبة الشهادة فی أرض کربلاء(3).

فی الحقیقة إنّ الإنسان یشاهد فی واقعة کربلاء من الحوادث التی لا یوجد لها مثیل طیلة التاریخ البشری، الشیخ والشاب یتصارعان للتضحیة فی سبیل الله ولا یریدان من ذلک سوى رضا الله تعالى ورضا إمامهم، ولم یفکروا حتى فی آخر لحظات حیاتهم إلاّ بالذب عن إمامهم وذریّة رسول الله(صلى الله علیه وآله) هؤلاء هم الذین خلدوا تاریخ کربلاء وجعلوه متمیزاً عن سائر التواریخ والحوادث الاُخرى وأضحوا قدوة للأجیال اللاحقة فی رسم معالم التضحیة والفداء فی سبیل العقیدة والدین والالتزام بالقیم الإنسانیة.

1 . أعیان الشیعة، ج 1، ص 605 .
2. سورة الأحزاب، الآیة 23 .
3. تاریخ الطبری، ج 4، ص 331; الملهوف (اللهوف)، ص 162 .