ثم خرج من بعده عبدالله بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیه السلام) وفی أکثر الروایات أنّه القاسم بن الحسن(علیه السلام) وهو غلام صغیر لم یبلغ الحلم فلما نظر الحسین إلیه قد برز اعتنقه وجعلا یبکیان حتى غشی علیهما.
ثم استأذن الحسین(علیه السلام) فی المبارزة فأبى الحسین أن یأذن له فلم یزل الغلام یقبل یدیه ورجلیه حتى أذن له فخرج ودموعه تسیل على خدیه وهو یقول:
إِنْ تُنْکِرُونی فَأَنَا ابْنُ الْحَسَنْ *** سِبْطُ النَّبِیِّ الْمُصْطَفى وَالْمُؤْتَمَنْ
هذا حُسَیْنٌ کَالاَْسِیرِ الْمُرْتَهَنْ *** بَیْنَ أُناس لاَ سُقُوا صَوْبَ الْمُزَنْ
کان وجهه کفلقة القمر فقاتل قتالاً شدیداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثین رجلاً قال حمید: کنت فی عسکر ابن سعد فکنت أنظر إلى هذا الغلام علیه قمیص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنّه کان الأیسر فقال: عمرو بن سعد الأزدی: والله لأشدن علیه فقلت: سبحان الله وما ترید بذلک والله لو ضربنی ما بسطت إلیه یدی یکفیه هؤلاء الذین تراهم قد احتوشوه. قال: والله لأفعلن فشدّ علیه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسیف ووقع الغلام لوجهه ونادى یا عمّاه. قال: فجاء الحسین کالصقر المنقض فتخلل الصفوف وشدّ شدة اللیث الحرب فضرب عمراً قاتله بالسیف فاتقاه بیده فأطنها من المرفق فصاح ثم تنحى عنه وحملت خیل أهل الکوفة لیستنقذوا عمرو من الحسین فاستقبلته بصدورها وجرحته بحوافرها ووطئته حتى مات. فانجلت الغبرة فإذا بالحسین قائم على رأس الغلام وهو یفحص برجلیه فقال الحسین:
«یعَزُّ وَاللهِ عَلى عَمِّکَ أَنْ تَدْعوُهُ فَلا یُجیبُکَ، أَوْ یُجیبُکَ فَلا یُعینُکَ، أَوْ یُعینُکَ فَلا یُغْنی عَنْکَ، بُعْداً لِقُوْم قَتَلُوک».
وفی روایة أخرى أنّ الإمام(علیه السلام) قال:
«بُعْداً لِقَوْم قَتَلُوک، وَمَنْ خَصَمَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فیکَ جَدُّک. عَزَّ وَاللهِ عَلى عَمِّکَ أَنْ تَدْعوُهُ فَلا یُجیبُکَ، أَوْ یُجیبُکَ ثُمَّ لا یَنْفَعُکَ، یَوْمٌ وَاللهِ کَثُرَ واتِرُهُ وَقَلَّ ناصِرُهُ».
قال الراوی: احتمله فکأنّی أنظر إلى رجلی الغلام یخطان فی الأرض وقد وضع صدره على صدره فقلت فی نفسی ما یصنع فجاء حتى ألقاه بین القتلى من أهل بیته، ثم قال(علیه السلام).
«اَللّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً، وَاقْتُلْهُمْ بَدَداً وَلا تُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً، وَلا تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً; صَبْراً یا بَنی عُمُومَتی، صَبْراً یا أَهْلَ بَیْتی، لا رَأَیْتُمْ هَواناً بَعْدَ هذَا الْیَوْمِ أَبَداً»(1).