وعندما عزم الإمام الحسین(علیه السلام) إلى المیدان قال:
«أُخیّة! اِئْتُونی بِثَوْب لا یُرْغَبُ فیهِ،اَلْبَسُهُ غَیْرَ ثِیابِی، لا أُجَرَّدُ، فَإِنِّی مَقْتُولٌ مَسْلُوبٌ، فَاُتی تبیان».
فقال(علیه السلام): «لا ذَاک لِباسُ مَن ضُرِبَتْ عَلَیهِ الذُّلّةُ».
ثم استدعى الحسین(علیه السلام) بسراویل من حبرة ففزّرها ولبسها وإنّما فزّرها لئلا یسلبها، فلما قتل سلبها أبجر بن کعب وترکه(علیه السلام) مجرّداً فکانت ید أبجر بعد ذلک یبیسان فی الصیف کأنّهما عودان ویترطبّان فی الشتاء فینضحان دماً وقیحاً إلى أن أهلکه الله تعالى.
وعندما أراد تودیع عیاله وبناته قال لابنته سکینة:
سَیَطُولُ بَعْدی یا سَکینَةُ فَاعْلَمی *** مِنْکِ الْبُکاءُ إِذَا الْحِمامُ دَهانِی
لا تُحْرِقی قَلْبِی بِدَمْعِکِ حَسْرَةً *** مادامَ مِنّی الرُّوحُ فِی جُثْمانی
وَإِذا قُتِلْتُ فَأَنْتِ أَوْلى بِالَّذِی *** تَأْتینَهُ یا خَیْرَةَ النِّسْوانِ(1)
وفی روایة أخرى فأخذ ثوباً خلقاً فخرقه وجعله تحت ثیابه فلما قتل جردوه منه(2).
رسم الإمام(علیه السلام) بدقة الصورة الحقیقیة لصحبه وأعدائه فی صفحات قصة کربلاء لیثبتها فی عمق التاریخ! فقد صرح(علیه السلام)لیلة عاشوراء بشأن أصحابه الأوفیاء أنّهم أشرف أناس فی التاریخ، کما دلّ على أنّ أعداءَه أحط وأقذر البشریة، بل کانوا وحوشاً وشیاطین بلباس إنسان! ترى ما قیمة ذلک الثوب البالی الذی رقع من عدّة مواضع لیسلبوه إیّاه بعد قتله ویدعوا جسده الطاهر عریاناً تحت أشعة الشمس المحرقة، علام یدل هذا الفعل؟