لا یمکن دراسة الوقائع التأریخیة بمعزل عن بعضها البعض الآخر; ذلک لتعذر تقدیم الإجابات الشافیة لعلامات الإستفهام کافة التی تلاحق تلک الوقائع. فالواقع أنّ الحادثة التاریخیة إنّما تفرزها مجموعة من الحوادث المتصلة على غرار حلقات السلسلة المترابطة. فلکل حادثة صغیرة أم کبیرة جذور فی الماضی، کما لها آثارها ومعطیاتها فی المستقبل. ومن الطبیعی أن تتطلب الحادثة کلما کانت أعقد وأعظم قدراً من الدقّة فی البحث عن جذورها وامتداداتها.

وواقعة الطف لیست بدعاً من هذه القاعدة; فلا یمکن دراستها من خلال الإقتصار على زمان تحقیقها، أی سنة 61 هـ; حیث یبقى الباب مفتوحا للمحلل أمام العدید من الأسئلة والإستفسارات التی تبحث عن أجوبة وردود. وأحد هذه الأسئلة کیف یصدق أنّ الأمة الإسلامیة قتلت بتلک الطریقة البشعة ابن رسول الله(صلى الله علیه وآله)وفلذة کبد الزهراء(علیها السلام)والوحید ممن تبقى من الخمسة أصحاب الکساء; فلم یرحموا صبیاً ولا صبیة وفتى وکهلاً وإمرأة لهذا البیت; فذبحت فئة وسبیت وأسرت أخرى وسامتهم غصص الظلم والجور.

ومن هنا یتحتم علینا العودة إلى الوراء للوقوف على جذور واقعة محرم سنة 61 هـ والأسباب والعوامل الأصلیة التی تقف وراءها. بل علینا مطالعة الحوادث التی سبقت ولادة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وانبثاق الدعوة الإسلامیة ولو بصورة مقتضبة. فالأحداث فی السنین الممتدة نسبیاً إنّما اجتمعت معاً فکان لکل منها دور فی ظل تلک الحادثة الکبرى. وکما أسلفنا فإنّ هذه الأحداث متشابکة کحلقات السلسلة ولا یمکن فصلها عن بعضها أو غض الطرف عنها. وسندرس جذور هذه الحادثة العظیمة من خلال ثمانیة فصول.