فلما کان وقت العصر أمر الحسین(علیه السلام) أن یتهیأوا للرحیل ففعلوا ثم أمر منادیه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسین وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إلیهم بوجهه فحمد الله وأثنى علیه وقال:
«أَیُهَا النّاسُ! أَنَا ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله) وَنَحْنُ أَوْلى بِوِلایَةِ هذِهِ الاُْمُورِ عَلَیْکُمْ مِنْ هؤُلاءِ الْمُدَّعینَ ما لَیْسَ لَهُمْ وَالسّائِرینَ فیکُمْ بِالْظُّلْمِ وَالْعُدوانِ، فَإِنْ تَثِقُوا بِاللهِ وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لاَِهْلِهِ فَیَکُونُ ذلِکَ لِلّهِ رِضىً، وَإِنْ کَرِهْتُمُونا وَجَهِلْتُمْ حَقَّنا وَکانَ رَأْیُکُمْ عَلى خِلافِ ما جاءَتْ بِهِ کُتُبُکُمْ وَقَدِمَتْ بِهِ رُسُلُکُمْ انْصَرَفْتُ عَنْکُمْ».
فقال له الحر: أنا والله ما أدری ما هذه الکتب والرسل التی تذکر.
فقال الحسین(علیه السلام)لبعض أصحابه: «یا عُقْبَةُ! هاتِ الْخُرْجَیْنَ اللَّذَیْنَ فِیهِمَا الْکُتُبُ»; فأخرج خرجین مملوءین صحفاً فنثرت بین یدیه. فقال له الحر: لسنا من هؤلاء الذین کتبوا إلیک وقد أمرنا أنا إذا لقیناک لا نفارقک حتى نقدمک الکوفة على عبید الله بن زیاد.
فتبسم الإمام والحسین(علیه السلام) وقال:
«اَلْمُوْتُ أَدْنى إِلَیْکَ مِنْ ذلِکَ»(1).
مرّة أخرى أتمّ الإمام(علیه السلام) الحجّة على أهل الکوفة وجیش الحر الذین کان الکثیر منهم ممن کتب للإمام(علیه السلام) ودعاه للکوفة، ذلک أنّه لم ینکر کتابة الرسالة أحد سوى الحر. وقطعاً کان بینهم الکثیرون الذین شعروا بالخجل، لکنّهم کانوا أضعف من العودة إلى الصواب والرجوع عن الخطأ. وکانت عبارة الإمام(علیه السلام) الأخیرة ضربة قاضیة وجهت للحر، فسکت ولم ینبس ببنت شفة.