لما أنطلق الإمام(علیه السلام) إلى العراق خطب قائلاً:
«اَلْحَمْدُ لِلّهِ ما شاءَ اللهُ، وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلى وُلْدِ أدَمَ مَخَطَّ الْقَلادَةِ عَلى جیدِ الْفَتاةِ، وَما أَوْلَهَنی إِلى أَسْلافی اشْتِیاقُ یَعْقُوبَ إِلى یُوسُفَ، وَخُیِّرَ لِی مَصْرَعٌ أَنَا لاقیهِ. کَأَنِّی بِأَوْصالی تُقْطَعُها عَسْلانُ الْفَلَواتِ بَیْنَ النَّواویسِ وَکَرْبَلاءَ فَیَمْلاََنَّ مِنِّی اَکْراشاً جَوفاً وَاَجْرِبَةً سُغْباً، لا مَحیصَ عَنْ یَوْم خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللهِ رِضانا أَهْلَ الْبَیْتِ، نَصْبِرُ عَلى بَلائِهِ وَیُوَفّینا أَجْرَ الصّابِرینَ. لَنْ تَشُذَّ عِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله) لَحْمَتُهُ، وَهِیَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِی حَظیرَةِ الْقُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَیْنُهُ وَیُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ. مَنْ کانَ باذِلا فینا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْیَرْحَلْ مَعَنا فَإِنَّنِی راحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شاءَ اللهُ تَعالى»(1).
تعتبر هذه الخطبة القصیرة من أعمق خطب الإمام(علیه السلام) معنى والتی تشیر إلى مایلی:
أولاً: کان الإمام(علیه السلام) واقفاً على مصیر تلک الحرکة الخطیرة ـ الإنطلاق إلى العراق ـ لکنّه یبادر إلیها لأنّ فیها رضى الله. بعبارة أخرى کان یراها امتحاناً إلهیاً ستؤتی أکلها للعالم الإسلامی على المدى القریب والبعید وسبب فضیحة ألد أعداء الإسلام والإطاحة به وتختزن الدروس والملاحم والعزة والکرامة التی ستعتبر بها الأجیال فی المستقبل.
ثانى: لم یحجب مصیر کل من رافقه أو یستغفله لینطلق معه عشاق الشهادة فی سبیل الله فقط، أولئک الذین ستحتفظ بأسمائهم ذاکرة التاریخ کأعظم الشهداء.