139 . عبور قافلة الأسرى على مقتل الشهداء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
138 . أسر أهل البیت(علیهم السلام)140 . دفن الأجساد الطاهرة

إنّ من أشد لحظات تاریخ کربلاء صعوبة ومأساویة بحیث ثقلت على جمیع السماوات والأرض تتمثّل فی حالات وداع الأسرى لأجساد الشهداء المقطعة الملقاة على رمضاء کربلاء، فقد مرّ الأعداء بالأسرى من ذریة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)على أجساد الشهداء المقطعة والغارقة فی الدماء، وهنا تتخلص مظلومیة أبطال هذه الواقعة وتتجلى عزّتهم.

وقد ورد فی الروایات أنّ الأسرى هم الذین طلبوا من الأعداء أن یمرّوا بهم على أجساد أعزائهم الشهداء لیودعوهم الوداع الأخیر.

وغنی عن البیان أنّ ترک أرض کربلاء فی تلک الحالة المؤلمة والموحشة کانت صعبة جدّاً على هذه المقلوب المتحرقة للنساء والأطفال، وخاصة أنّ الأعداء دفنوا أجساد موتاهم وترکوا أجساد الشهداء من ذریة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)وأصحاب الحسین(علیه السلام)، ولا سیما الجسد الطاهر لسید شباب أهل الجنّة بدون غسل ولا کفن فی صحراء کربلاء، الأعداء الحاقدون لم یقدموا على دفنهم ولا سمحوا لأحد أن یدفنهم.

إنّ مشاهدة هذه الأجساد المقطعة والتی وطئتها أقدام الخیول بحیث لا یمکن تشخیصها، من شأنها أن تثیر فی قلب کل ناظر عاصفة من التحرق وتهد کل إنسان رابط الجأش، ولکن السکینة التی تمتعت بها الحوراء زینب بن علی(علیهما السلام) أعادت إلى الأذهان صبر واستقامة الإمام علی(علیه السلام) وصلابته فی مواجهة التحدیات الصعبة التی یفرضها الواقع المتأزم، وقد برز صبر الحوراء زینب(علیها السلام) وعظمتها فی کلماتها المعبرة حیث کسرت ذلک الفضاء الثقیل الذی کان یخیم على قلوب آل الرسول(صلى الله علیه وآله).

وعندما وقعت أنظار نساء آل البیت(علیهم السلام) على الأجسام المقطعة ارتفع صراخهنّ واشتدّ عویلهنّ وأخذن یلطمن على الخدود(1).

ولما کانت الحوراء زینب(علیها السلام) تدرک أنّ العدو یراقب حرکات الأسرى وهو مستعد لإظهار الشماتة لدى رؤیة أدنى ضعف واهتزاز وندم فی سلوکیات أهل بیت النبوة، فإنّها عندما نظرت إلى جسد أخیها الحسین(علیه السلام) المضرج بالدماء، رفعت یدیها إلى السماء وقالت: «أَللّهُمَّ تَقَبَّلْ هذا الْقُرْبانَ»(2).

وهذه العبارة وقعت کالصاعقة على رؤوس الأعداء وفضحتهم وأبانت عن وجههم القبیح.

یقول الراوی: لا أنسى أبداً کلمات بنت فاطمة الزهراء(علیها السلام)، فأبکَتْ واللهِ کلّ عدو وصدیق(3).

قالت الحوراء زینب(علیها السلام) بقلب مجروج وصوت حزین:

وامُحَمَّداه! صَلّى عَلَیْکَ مَلیکُ السَّماء، هذا حُسَینٌ مُرَمَّلٌ بِالدِّماءِ، مُقَطَّعُ الاَْعْضاءِ، یا مُحَمَّداه! بَناتُکَ سَبایا وَذُرِّیَّتُکَ مُقَتَّلَة، تَسْفی عَلَیْها ریحُ الصَّبا، هذا حُسَیْنٌ بِالْعَراءِ، مَحْزُوزُ الرَّأسِ مِنَ الْقَفا، مَسْلُوبُ الْعِمامَةِ وَالرِّداءِ(4).

فأبکت بذلک کلّ عدو وصدیق(5).

لقد کان الجمیع یعیش حالة الاضطراب والتوتر، وعلى حدّ تعبیر دعبل الخزاعی شاعر أهل البیت(علیهم السلام):

کَیْفَ الْقَرارُ؟ وَفِی السَّبایا زَیْنَبٌ *** تَدْعُو بفَرْطِ حَرارَة یا أحْمَدُ

هذا حُسَیْنٌ بِالسُّیُوفِ مُبَضَّعٌ *** مُتَخَضِّبٌ بِدِمائِهِ مُسْتَشْهَدُ(6)

واستمرت الحوراء زینب(علیها السلام) فی نطقها فی تلک الحالة العجیبة وقالت:

«بِأَبِی مَنْ ]أَضْحى[ عَسْکَرُهُ فی یَوْمِ الإثْنَیْن نَهْباً(7)، بِأَبی مَنْ فُسْطاطُهُ مُقَطَّعُ الْعُرى، بِأَبِی مَنْ لا هُوَ غائِبٌ فَیُرْتَجى وَلا جَریحٌ فَیُداوى، بِأَبِی مَنْ نَفْسی لَهُ الْفِداءُ، بِأبِی الْمَهْمُومَ حَتّى قَضى، بِأبی الْعَطْشانَ حَتّى مَضى، بِأَبِی مَنْ شَیْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّماءِ»(8).

وکادت القلوب أن تنخلع من الصدور والدموع المنهمرة لم تدع لأحد مجالاً للاستقرار، وخاصة عندما سمعوا زینب تخاطب جدّها رسول(صلى الله علیه وآله) وتقول:

«یا حُزْناه! یا کَرْباه! اَلْیَوْمَ ماتَ جَدِّی رَسُولُ اللهِ، یا أَصْحابَ مُحَمَّداه! هؤُلاءِ ذُرِّیَّةُ الْمُصْطَفى، یُساقُونَ سَوْقَ السَّبایا»(9).

وهنا تقدمت سکینة إلى جسد أبیها الحسین(علیه السلام) وألْقَتْ بنفسها علیه واحتضنته تودعه وکلما حاولوا رفعها وفصلها عن الجسد الطاهر لم یتمکنوا، فجاءت جماعة من الأعراب کما تقول الروایة وجرّوها عن الجسد الشریف: (ثُمَّ إِنَّ سُکَیْنَةَ اعْتَنَقَتْ جَسَدَ الْحُسَیْنِ(علیه السلام)فَاجْتَمَعَ عِدَّةٌ مِنَ الاَْعْرابِ حَتّى جَرُّوها عَنْهُ)(10).

ویروى عن سکینة أنّها قالت: بینما کنت فی تلک الحال (وکأنّه اُغمی علیها) سمعت صوت أبی یقول:

شیعَتِی ما إنْ شَرِبْتُمْ عَذْبَ ماء فَاذْکُرُونِی *** أَوْ سَمِعْتُمْ بِغَریب أَوْ شَهید فَانْدُبُونِی(11)

وفجأة التفتت الحوراء زینب(علیها السلام) الصابرة إلى علی بن الحسین(علیهما السلام) وقد تغیّر لونه وهو یجود بنفسه تکاد روحه تخرج من بدنه، فتقدمت إلیه وقالت: «مالِی أَراکَ تَجُودُ بِنَفسِکَ یا بَقِیَّةَ جَدِّی وَ أَبِی وَإخْوَتی».

فأجابها الإمام زین العابدین(علیه السلام): «وَکَیفَ لا أجزَعُ وأهلَعُ وَقد أرى سَیِّدی وإخوَتِی وعُمومَتی وَوُلدُ عَمِّی وأهْلِی مُضَرَّجِینَ بِدِمَائِهِمْ، مُرَمِّلِینَ بِالعَراءِ مُسَلَّبِینَ لایُکَفّنونَ ولا یُوارَوْنَ، وَلا یَعرُجُ عَلیهم أحَدٌ ولا یَقْرَبُهُم بَشَرٌ کأنّهم أهلُ بَیت مِنَ الدَّیْلَمِ وَالخَزَر».

فأجابت الحوراء زینب(علیها السلام) بجواب عجیب: «لا یُجْزِعَنَّکَ مَا تَرى فَواللهِ إنَّ ذَلِکَ لَعَهْدٌ مِن رَسولِ الله(صلى الله علیه وآله) إلى جَدِّک وأبیکَ وعَمِّکَ وَلقد أخذَ اللهُ مِیثاقَ اُناس مِن هذه الاُمَّةِ لاتَعْرِفُهُمْ فَراعِنةُ هذِه الأرْضِ، وهُم مَعروفُونَ فِی أهْلِ السَّماواتِ، إنَّهُمْ یَجمَعون هذِه الأعضاءِ الْمُتَفَرِّقَة فَیوارونها، وهذِهِ الجُسومَ المُضَرَّجَةَ وَیَنْصِبُونَ بِهذا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أبیکَ سَیِّدِالشُّهداءِ لا یُدْرَسُ أثَرُهُ ولا یُعْفى رَسْمُهُ على مُرورِ اللّیالی والأیّامِ ولیَجْتَهِدَنَّ أئِمَّةُ الْکُفْرِ وأشْیاعُهُمُ الضّلالةِ فی مَحْوِهِ وتَطْمیسِهِ فَلا یَزدادُ أثَرُهُ إلاّ ظَهوراً وأمْرُهُ إلاّ عُلُوّاً»(12).

وهکذا نرى أنّ زینب بنت أمیرالمؤمنین(علیه السلام) بهذه الصلابة والشجاعة والنبوءة العجبیة أخذت تسلّی ابنَ أخیها وتزیل غبار الهمّ والحزن عن قلبه بإخبارها عن مستقبل کربلاء وعاشوراء وهو ما نراه الیوم متجسّداً أمام أنظار العالمین بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، أجل، إنّ قلب الحوراء زینب(علیها السلام) المفعم بالعواطف، والزاخر بالإیمان کان یعلم منذ بدایة هذه النهضة بمستقبلها المشرق بالرغم من أنّ الأعداء من بنی اُمیّة والمنافقین کانوا یحسبون أنّ هذه الواقعة هی نهایة حرکة الرسالة والدعوة الإلهیّة.


1 . نفس المهموم، ص 201 ; مقتل الحسین، المقرّم، ص 306.
2. مقتل الحسین، المقرّم، ص 307 .
3 . الکامل، لابن الأثیر، ج 4، ص 81; الملهوف (اللهوف)، ص 180-181 .
4 . انظر: أنساب الأشراف، ج 3، ص 411; الملهوف (اللهوف)، ص 180-181 ; بحارالأنوار، ج 45، ص 58; مقتل الحسین المقرّم، ص 307.
5 . الکامل، لابن الأثیر، ج 4، ص 81; مقتل الحسین، المقرّم، ص 307.
6 . بحار الأنوار، ج 45، ص 243.
7. نظراً للقول المشهور من أنّ حادثة عاشوراء وقعت یوم الجمعة، فإن قول الحوراء زینب(علیها السلام) بأنّه یوم اثنین لعله إشارة إلى حادثة السقیفة التی وقعت یوم الاثنین، والمراد أنّ حادثة کربلاء هی نتیجة لما وقع قبل خمسین سنة من التآمر على الإسلام والمسلمین فی السقیفة.
8 . بحارالأنوار، ج 45، ص 58; الملهوف (اللهوف)، ص 181; أعیان الشیعة، ج 7، ص 138.
9. بحار الأنوار، ج 45، ص 59.
10 . الملهوف (اللهوف)، ص 181; بحار الأنوار، ج 45، ص 59.
11 . انظر: مصباح الکفعمی، ص 741 ; مقتل الحسین، المقرّم، ص 307-308.
12 . کامل الزیارات، ص 274-275; بحار الأنوار، ج 28، ص 57 و ج 45، ص 179; نفس المهموم، ص210; مقتل الحسین، المقرّم، ص 308 .

 

138 . أسر أهل البیت(علیهم السلام)140 . دفن الأجساد الطاهرة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma