عن علی بن الحسین(علیه السلام) قال خرجنا مع الحسین فما نزل منزلاً وما ارتحل منه إلاّ ذکر یحیى بن زکریا وقتله وقال یوماً:
«وَمِنْ هَوانِ الدُّنْیا عَلَى اللهِ أَنَّ رَأْسَ یَحْیَى بْنِ زَکَرِیّا أُهْدِیَ إِلى بَغِیّ مِنْ بَغایا بَنی إِسْرائِیلَ»(1).
وفی روایة أخرى أنّ الإمام(علیه السلام) قال:
«إِنَّ امْرَأَةَ مَلِکِ بَنِی إِسْرائِیلَ کَبُرَتْ وَأَرادَتْ أَنْ تُزَوِّجَ بِنْتَها مِنْهُ لِلْمَلِکِ، فَاسْتَشارَ الْمَلِکُ یَحْیَى بْنَ زَکَرِیّا فَنَهاهُ عَنْ ذلِکَ، فَعَرَفَتِ الْمرْأَةُ ذلِکَ وَزَیَّنَتْ بِنْتَها وَبَثْتها إِلَى الْمَلِکِ فَذَهَبَتْ وَلَعِبَتْ بَیْنِ یَدَیْهِ، فَقالَ لَهَا الْمَلِکُ: مَا حَاجَتُکِ؟
فَقالَتْ: رَأْسُ یَحْیَى بْنِ زَکَرِیّا.
فَقالَ الْمَلِکُ: یا بُنَیَّةُ حاجَةً غَیْرَ هذِهِ.
قالَتْ: ما أُریدُ غَیْرَهُ ... فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَیْها فِی طَشْت مِنْ ذَهَب، فَأُمِرَتِ الاَْرْضُ فَأَخَذَتْهَا، وَسَلَّطَ اللهُ عَلَیْهِمْ بُخْتَ نُصَّرَ»(2).
قیل کانت الدماء تغلی من الموضع الذی دفن فیه رأس یحیى(علیه السلام) ولم یسکن حتى قتل بخت نصر طائفة عظیمة من ظلمة بنی إسرائیل. ولذلک قال الإمام الحسین(علیه السلام) لولده السجاد(علیه السلام):
«یا وَلَدِی عَلیَّ وَاللهِ لا یَسْکُنُ دَمِی حَتّى یَبْعَثَ اللهُ الْمَهْدِیَّ فَیَقْتُلَ عَلى دَمِی مِنَ الْمُنافِقِینَ الْکَفَرَةِ الْفَسَقَةِ سَبْعینَ أَلْفاً»(3).
کل قول من الأقوال القصیرة والعمیقة المعنى للإمام(علیه السلام) فی مسیرته لکربلاء أعظم دهشة وثمرة من الآخر.
وهدف الإمام(علیه السلام) من طرح واقعة یحیى(علیه السلام) إشارة إلى نقطة وهی أنّ الحکّام الظلمة والطواغیت إنّما قتله لطهره وورعه وتقواه ومناهضته للفساد والانحراف ویهدون رأسه إلى أحد البغاة، ویدل هذا على أنّ الإمام(علیه السلام) کان عالماً بتفاصیل قتله وکان یشرحها لأصحابه وولده فیعدهم للقتال بشجاعة حتى آخر قطرة دم فی عروقهم. وقوله(علیه السلام): «لا یسکن دمی حتى یبعث الله المهدی(علیه السلام)» إشارة عمیقة لتواصل النهضات الحسینیة طیلة التاریخ، الأمر الذی نشاهده الیوم بأم أعیننا. صدق الله ورسوله وأولیائه(علیه السلام).