رغم عدم اکتراث معاویة لابنی رسول الله(صلى الله علیه وآله) الإمامین الحسن والحسین(علیهما السلام)وکذلک مئات الصحابة المقربین، بل توفرت موجبات مطاردتهم وقتلهم، وفی نفس الوقت وبغیة قبول الرأی العام لأقواله وأفعاله; اضطر لتبریر أعماله لاستعمال الأفراد المتکالبین على الدنیا الذین یتذرعون بصفة صحبة النبی(صلى الله علیه وآله) لیتمکنوا من إضفاء الشرعیة على ممارساتهم القبیحة من خلال إثارة فکرة کون الصحبة تساوق النطق بالحق والثبات علیه.
وعلى هذا الضوء استقطب معاویة بعض العناصر کأبی هریرة أو حتى بعض الأفراد مثل «سمرة بن جندب» الذی لیس له أدنى سابقة فی الإسلام، سوى أنّه أدرک زمان النبی(صلى الله علیه وآله)فوظفهم لوضع الأحادیث لصالحه. ولعله یمکن الوقوف على روحیة «سمرة» المعادیة للإسلام والمناهضة للحق من خلال قصة القاعدة الفقهیة «لا ضرار» وإلیک خلاصتها:
کان لسمرة عذق فی حائط لرجل من الأنصار وکان منزل الأنصار بباب البستان وکان یمر به إلى نخلته ولا یستأذن فکلمه الأنصاری فأبى سمرة، فجاء الأنصاری إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) فشکى إلیه. فساومه(صلى الله علیه وآله) للأنصاری: إذهب فأقلعها وارم بها إلیه وقال: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرارَ فِی الاِْسْلامِ»(1).
القصة لم تنقل بصورة واضحة کما فی الکتاب ص 175.
فقد ذکر ابن أبی الحدید نقلاً عن أستاذه «أبو جعفر» أنّه قال: روی أنّ معاویة بذل لسمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم حتى یروی أن هذه الآیة:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْری نَفْسَهُ ...)(2). والتی نزلت بحق علی(علیه السلام) نزلت فی ابن ملجم(3) (سیرد شرح هذه الروایة لاحقاً).
وزبدة الکلام جنى معاویة العدید من الأرباح من استعماله لسمرة فی حکومته، کما قبض بالمقابل أجره من معاویة على خدماته حتى جعله خلیفة زیاد على البصرة فقتل هذا السفاح آلاف الأبریاء فی البصرة بتهمة الولاء لأهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله). روى الطبری ـ المؤرخ المعروف ـ أنّ محمد بن سلیم سأل ابن سیرین: هل قتل سمرة أحداً؟ فأجابه:
«هَلْ یُحْصى مَنْ قَتَلَ سَمُرَةُ ابْنُ جُنْدَب؟ إِسْتَخْلَفَهُ زِیادُ عَلَى الْبَصْرَةِ وَأَتَى الْکُوفَةَ فَجاءَ وَقَدْ قَتَلَ ثَمانِیَةَ آلاف مِنَ النّاسِ».
وأضاف الطبری أنّ زیاد سأل سمرة: أما خفت أن تکون قتلت بریئاً؟ قال: لو قتلت إلیهم مثلهم ما حشیت(4).
قال رجل هو «أبو سوار العدوى»: إن سمرة قتل فجراً سبعین وأربعین من قومه ممن جمعوا القرآن(5). ورغم أنّ سمرة کان مستعداً لارتکاب أیّة جنایة من أجل مصالحه المادیة وانهمک لسنوات فی تبریر جرائمه وجنایات زعماء بنی أمیة، غیر أنّ حکومته للبصرة لم تدم أکثر من ستة أشهر، وحین عزله معاویة قال غاضباً:
«لَعَنَ اللهُ مُعاوِیة! وَاللهِ لَوْ أطَعْتُ اللهَ کَما أطَعْتُ مُعاوِیةَ ما عَذَّبَنِی أَبَداً»(1).