کان «جَوْن» غلاماً أسوداً لأمیرالمؤمنین(علیه السلام)، ووهبه إلى أبی ذر الغفاری. وکان جون ممن رافق أبی ذر إلى الربذة وهی المنطقة التی نفاه عثمان إلیها، وبعد استشهاد أبی ذر فی عام 32 للهجرة عاد جون إلى المدینة وبقی فی خدمة أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، ثم فی خدمة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)، وبعده کان یخدم الإمام الحسین(علیه السلام)، وقد رافقه فی حرکته من المدینة إلى مکّة ثم إلى کربلاء(2).
وفی یوم عاشوراء قال له الإمام الحسین(علیه السلام): «أَنْتَ فِی إذْن مِنّی، فَإِنَّمـا تَبِعْتَنـا طَلَباً لِلْعـافِیَةِ فَلا تَبْتَلِ بِطَریقِنـا».
ولما سمع «جون» هذا الکلام من الإمام الحسین(علیه السلام) وقع على قدمیه یتوسل إلیه ویقول: «یَاابْنَ رَسُولِ الله! أَنَا فِی الرَّخـاءِ أَلْحَسُ قِصـاعَکُمْ وَفِی الشِّدَّةِ أخْذُلُکُمْ؟».
ثم أضاف: «وَاللهِ إِنَّ ریحِی لَمُنْتِنٌ وَإنَّ حَسَبی لَلَئیمٌ وَإنَّ لَوْنِی لاََسْوَدٌ فَتَنَفَّسْ عَلَیَّ بِالْجَنَّةِ لَیَطیبَ ریحِی وَیَشْرُفَ حَسَبِی وَیَبْیَضَّ لَوْنی لا وَاللهِ لا أُفارِقُکُمْ حَتّى یَخْتَلِطَ هَذَا الدَّمُّ الاَْسْوَدُ مَعَ دِمائِکُمْ»(3).
وبعد هذا الکلام أذن له الإمام فی الدفاع عن حریم الإسلام وعترة النبوة، فبرز فرحاً إلى میدان القتال وهو یرتجز ویقول:
کَیْفَ تَرَى الفُجّارُ ضَرْبَ الاَْسْوَدِ *** بِالْمُشْرِفیِّ الْقاطِعِ المُهَنَّدِ(4)
أَذُبُّ عَنْهُمْ بِاللِّسانِ وَالْیَدِ *** أَرْجُو بِهِ الْجَنَّةَ یَوْمَ الْمَوْرِدِ(5)
ثم قاتل قتالاً شدیداً حتى اُستشهد، فجاء إلیه الإمام الحسین(علیه السلام) وجلس عند رأسه ودعا له بهذا الدعاء:
«اللّهُمَّ بَیِّضْ وَجْهَهُ، وطَیِّبْ ریحَهُ، وَاحْشُرْهُ مَعَ الاَْبْرارِ، وَعَرِّفْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد»(6).
روی عن الإمام علی بن الحسین زین العابدین(علیه السلام) أنّه قال: «إنّ النّاس ـ یعنی بنی أسد ـ کَانُوا یَحضرُونَ المَعرکةَ ویَدفنونَ القَتلى، فَوجَدوا جَوناً بَعدَ عَشرة أیّام تَفُوحُ مِنهُ رائِحةُ المِسْکِ»(7).
أجل، عندما تصل معرفة غلام إلى هذه الدرجة من السمو والعمق، فکیف تکون معرفة الأصحاب والأنصار الخاصین بالإمام الحسین(علیه السلام)؟