ومن جملة الأشخاص الذین خطبوا فی الناس فی أهل الکوفة اُمّ کلثوم بنت أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب(علیه السلام).
ویذکر المؤرخون أنّ اُم کلثوم رفعت صوتها بالبکاء وأوردت هذه الخطبة، وقالت:
یا أَهْلَ الْکُوفَةِ، سَوءاً لَکُمْ! ما لَکُمْ خَذَلْتُمْ حُسَیْناً وَقَتَلْتُمُوهُ، وَانْتَهَبْتُمْ أَمْوالَهُ وَوَرِثْتُمُوهُ، وَسَبَیْتُمْ نِساءَهُ وَنَکَبْتُمُوهُ؟! فَتَبّاً لَکُمْ وَ سُحْقاً!
وَیْلَکُمْ، أَتَدْرُونَ أَیَّ دَواه دَهَتْکُمْ؟ وَ أَیَّ وِزْر عَلى ظُهُورِکُمْ حَمَلْتُمْ؟ وَ أَیَّ دِماء سَفَکْتُمُوها؟ وَ أَیَّ کَریمَة اهْتَضَمْتُموها؟ وَأَیَّ صِبْیَة سَلَبْتُمُوها؟ وَ أَیَّ أَمْوال نَهَبْتُمُوها؟ قَتَلْتُمْ خَیْرَ رِجالات بَعْدَ النَّبِیِّ، وَنُزِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قُلُوبِکُمْ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ، وَ حِزْبَ الشَّیْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.
ثم أنشدت تقول:
قَتَلْتُمْ أَخی صَبْراً فَوَیْلٌ لاُِمِّکُمْ *** سَتُجْزَوْنَ ناراً حَرُّها یَتَوَقَّدُ
سَفَکْتُمْ دِماءً حَرَّمَ اللهُ سَفْکَها *** وَحَرَّمَهَا الْقُرآنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ
أَلا فَابْشِرُوا بِالنّارِ إِنَّکُمُ غَداً *** لَفی قَعْرِ نار حَرُّها یَتَصَعَّدُ
وَإِنّی لاََبْکی فی حَیاتِی عَلى أَخی *** عَلى خَیْرِ مَنْ بَعْدَ النَّبِیِّ سَیُولَدُ
بِدَمْع غَزیر مُسْتَهَلٍّ مُکَفْکَف *** عَلَى الْخَدِّ مِنِّی دائِبٌ لَیْسَ یَجْمَدُ(1)
وهذه الخطبة التی جاءت على لسان إحدى بنات الإمام علی(علیه السلام) حالها حال الخطبتین السابقتین من حیث کونها زاخرة بالبلاغة والروعة وتنطلق من روحیة إیمانیة شجاعة وتعتبر بمثابة رصاصة النهایة على جسد حکومة بنی اُمیة وغرست فی القلوب بذور الثورة على الظلم والظالمین فی المستقبل .
إنّ هذه الخطبة وبهذه البلاغة والمتانة خلّفت أثراً کبیراً فی نفوس أهل الکوفة من الرجال والنساء بحیث إنّها خلقت هیاجاً واضطراباً فی صفوفهم وکأنّهم قد فقدوا أعزّ أعزّتهم، فارتفع العویل والصراخ من أهل الکوفة واضطربت أمواج الحقد والغضب على بنی اُمیّة فی قلوب الناس، وبدأت صفحة جدیدة من تاریخ الإسلام.