سر مُحاباة عمر لمعاویة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
ج) رئاسة بنی أمیة فی الشام (تحول الخلافة إلى ملک)الفصل الرابع

العجب العجاب ما تفیده الدراسات التاریخیة أنّ الخلیفة الثانی ورغم کل تشدده إزاء عماله وولاته کان یغض الطرف عن أبشع زلاّت معاویة، ومع أنّه کان یرى مظاهر السلطنة الفارهة التی ابتدعها معاویة، وخلقه لبؤر الفساد فی الشام المضادة للحکومة الإسلامیة، لم یفکر قط فی إصلاحه حتى من خلال تنبیه شفاف وبسیط، حقّاً أنّ هذا مدعاة للدهشة والإستغراب.

فقد بلغت شدّة عمر على عمّاله وولاته أن عزل خالد بن الولید الذی اکتسب لقب سیف الله من إمرة الجیش إثر تطاوله على بیت مال المسلمین(1).

کما وجه محمّد بن مسلمة الأنصاری إلى عمرو بن العاص الذی ولى مصر لمتابعة شؤونه فإن رأى مخالفة صادر أمواله. فلم یُلّبِ رسول الخلیفة دعوة عمرو له للطعام وصادر نصف أمواله وعاد بها إلى المدینة(2).

وحین خان أبو هریرة بیت المال، أعاد سهمه إلى بیت المال وجلده ثم قال له: «ما رَجَعَتْکَ أُمَیْمَةُ إلاَّ لِرَعْیةِ الحُمُرِ»(3). وکانت سیرة عمر متابعة أموال وممتلکات ولاته سنویاً، فإن عزل أحدهم صادر أمواله(4).

ولکن رغم کل هذه التشددات یبقى هذا السؤال قائماً: ترى ما السر الکامن فی تعامله مع معاویة بحیث لم یصدر عنه أی رد فعل إزاء کل تلک البدع المقیتة والفواحش البغیضة؟ فی حین کان عزل معاویة ونصب أخر مکانه لا یتطلب أدنى جهد من عمر آنذاک، غیر أنّه هادنه بما أثار دهشة وذهول جمیع الحیادیین من محققی الأمّة. فممارسات معاویة السریة والعلنیة المناهضة للدین لم تکن خفیة قط على عمر. فقد وصفه مرّة حین رآه بـ «کسرى العرب»(5)، بینما أطلق له العنان عملیاً لإقصاء الحاکمیة الإسلامیة واستبدالها بالنظام الملوکی بعد أن فوضه مقالید مناطق واسعة من سوریا وفلسطین والأردن ولبنان وسلّطه على مقدرات المسلمین وأموالهم وأعراضهم.

وذات یوم شاهد عمر الموکب الضخم لمعاویة فی دمشق وقد أحاطت به المئات من رجاله فاکتفى بسؤال باهت دون القیام بأی عمل استنکاری(6)، بل لم تُثَر حفیظته  حتى حین سمع معاویة یصف نفسه بأنّه أول ملک للعرب، ثم اکتفى بأخذ عدل مملوء بالمال من أبی سفیان ولم تهزّه تلک الخیانة رغم علمه بأنّ تلک الأموال إنّما وهبه إیّاها معاویة من بیت مال المسلمین(7).

والأعجب من ذلک ما نقله ابن أبی الحدید فی شرحه لنهج البلاغة، أنّ عمر أوصى أصحاب الشورى حین حضرته الوفاة بعدم التفرقة والاختلاف فقال:

«... وَإِنْ تَحاسَدْتُمْ وَتَقاعَدْتُمْ وَتَدابَرْتُمْ وَتَباغَضْتُمْ غَلَبَکُمْ عَلى هذَا الاَْمْرِ مُعاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیانَ، وَکانَ مُعاوِیَةُ حِینَئِذ أَمِیرَ الشّامِ»(8).

ترى لماذا فتح الخلیفة الباب على مصراعیه بغیة ترسیخ سلطة بنی أمیة فی الشام بینما یستعرض قوته على أصحاب الشورى؟! فهل کان مراد الخلیفة من تقویة بنی أمیة فی الشام إضعاف قوة بنی هاشم؟ فإن أبدى بنو هاشم أیة حرکة أو نهضة قمعت من جانب أعداء الإسلام القدماء، أعنی بنی أمیة؟

نعم، ربّما یکمن السرّ الأصلی لکل هذه المداراة والمحاباة فی هذه النقطة! فالواقع أنّ الخلیفة رقى باستتباب أمنه بواسطة إیصاله بنی أمیة للسلطة وحصن نفسه حیال النهضات التی ربّما یشنها أبناء النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) من بنی هاشم فوظف بنی أمیة کدرع وقائی إزاء أمام وصول بنی هاشم إلى السلطة.

وعلى هذا الأساس فسح المجال لیتفرغ لترسیخ دعائم حکومته المستبدة فی تلک المنطقة المترامیة الأطراف والغنیة. الحکومة التی سفکت دم ابن رسول الله(صلى الله علیه وآله)سید الشهداء أبی عبد الله الحسین(علیه السلام)ظلماً وعدواناً وارتکبت أفدح الجرائم التی تتعذر إزالتها من ذاکرة التاریخ. وقد تسارعت هذه القضیة على عهد عثمان الذی یعد من عناصر بنی أمیة (وسنخوض فی هذا الشأن فی الفصل القادم). وعلى هذا الضوء یتضح عمق ما قیل: «قُتِلَ الْحُسَیْنُ یَوْمَ السَّقِیفَةِ».

 

وقد أشار المرحوم المحقق الأصفهانی لهذه القضیة بهذین البیتین الرائعین:

وَما رَماهُ إِذْ رَماهُ حَرْمَلَةُ *** وَإِنَّما رَماهُ مَنْ مَهَّدَ لَهُ

سَهْمٌ أَتى مِنْ جانِبِ السَّقِیفَةِ *** وَقَوْسُهُ عَلى یَدَىْ خَلِیفةِ(9)


1 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 1، ص 180.
2 . المصدر السابق ص 175. وقد ذهل عمرو بن العاص من هذه المعاملة فقال، «لعن الله زماناً صرت فیه عاملاً لعمر».
3 . العقد الفرید، ج 2، ص 14.
4 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 1، ص 174 وما بعدها.
5 . تاریخ ابن عساکر، ج 59، ص 114-115; أسد الغابة، ج 4، ص 386.
6 . انظر: الإستیعاب، ج 1، ص 253; الإصابة، ج 3، ص 413.
7 . انظر: الغدیر، ج 6، ص 164.
8 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج1، ص 187.
9 . دیوان أشعار المرحوم المحقق الأصفهانی(رحمه الله).

 

ج) رئاسة بنی أمیة فی الشام (تحول الخلافة إلى ملک)الفصل الرابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma