النتیجة الأخرى التی أفرزتها السقیفة، تبدیل الخلافة الإلهیة التی یعود اعتبارها إلى النص والتعیین المباشر من جانب الله ورسوله، إلى شأن بشری عادی، وبالشکل الذی جعل مصیر قضیة بهذه الأهمیة یتعین من خلال نزاع بسیط بین الأنصار وبضعة أفراد من قریش والإستناد إلى العصبیة القبلیة وبغیاب کبار الشخصیات الإسلامیة.

نعم، لو انتهک مبدأ أو سن قانون لصالح فئة معینة فی النظام الاجتماعی فلیس هنالک من ضمانة فی عدم المساس بسائر الأصول والمبادئ.

وعلى هذا الضوء فإنّ انتخاب الخلیفة بعد السقیفة لم یخضع لأی قانون. فقد أصبح تعیین هذه القضیة المهمّة بواسطة مشاجرة بین الأنصار وبضعة أفراد یعدون بالأصابع من قریش یوماً ویوم أخر بوصیة الخلیفة الأول وانتخابه الشخصی وأخرى من قبل شورى مؤلفة من ستة أعضاء. الغریب ما ینبغی أن نعلمه بأنّ هذه الفوضى والتخبط فی انتخاب الخلیفة أصبحت ذریعة تمسک بها معاویة فی نصب ولده یزید للخلافة ،حیث خطب الناس قائلاً:

«ثم التفت إلى الناس وقال: تعلمون أنّه قبض رسول الله(صلى الله علیه وآله) ولم یستخلف أحداً، فرأى المسلمون أن یستخلفوا أبا بکر بکتاب الله وسنّة نبیّه، فلمّا حضرته الوفاة رأى أن یستخلف عمر فعمل عمر بکتاب الله وسنّة نبیّه، فلما حضرته الوفاة رأى أن یجعلها شورى فی ستة نفر اختارهم من المسلمین، فصنع أبوبکر ما لم یصنعه رسول الله، وصنع عمر ما لم یصنعه أبوبکر، کل ذلک یصنعونه نظر المسلمین، فلذلک رأیت أن اُبایع لیزید لما وقع الناس فیه من الاختلاف(1).

أجل کانت هذه ثمرة النبتة المشؤومة التی غرست فی السقیفة. ویبدو من مهازل الدهر أن تؤول الخلافة إلى فرد کیزید!!.

1 . الإمامة والسیاسة، ج 1، ص 211-212.