کان زیاد بن أبیه فی بدایة أمره من أشدّ أعداء معاویة وأخطرهم، وکانت اُمه سمیة من جملة النساء من ذوات الأعلام فی الجاهلیة (أی من الزانیات) وبما أنّها کانت جاریة للحرب فقد زوجها من غلامه الرومی عبید، وعندما ولد زیاد لم یکن أبوه معروفاً ومع أنّه ینسب حسب الطاهر إلى أبیه عبید إلاّ أنّه قیل عنه زیاد بن أبیه.

ولکن ذکاء زیاد ودهائه وقدرته الخطابیة کانت متداولة على الألسن بین العامة والخاصة، وتدریجیاً أصبح شخصاً یشار إلیه بالبنان إلى أن نصب والیاً على بلاد فارس فی أیام حکومة أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) وربّما کان ذلک من أجل عدم انجذابه إلى معاویة.

وقد تحرک معاویة فی تهدید وتطمیع زیاد مرات عدیدة ولکن زیاد کان یقاوم هذه الاغراءات، حتى أنّ بلاد فارس بعد صلح الإمام الحسن(علیه السلام) مع معاویة بقیت خارج سیطرة الأمویین بالرغم من أنّ جمیع البلاد الإسلامیة قد أصبحت خاضعة لمعاویة.

وقد أرسل معاویة المغیرة بن شعبة والذی کان صدیقاً لزیاد إلیه وهو یحمل اقتراح معاویة فی جعله أخاً للخلیفة، وهکذا استطاع معاویة بهذه الحیلة العجیبة من کسب ودّ زیاد بن أبیه إلیه، وقد فکّر زیاد فی نفسه أنّه إذا صار أخو معاویة فإنّه یتحول إلى أقدر العرب، وسیکون ابناً لأبی سفیان رئیس قریش بدلاً من انتسابه  لغلام الرومی، وبذلک یتخلص من احساسه بالحقارة والدونیة فی نسبه غیر العربی.

وهکذا خضع للمؤامرة وانطلق إلى دمشق. وبهذا وقع فی شباک فخ معاویة لیصبح أحد ولاة الحکومة الأمویة لیستغل نفوذه لسنوات مدیدة من أجل ترسیخ دعائم سلطة معاویة الغاشمة.

فقد قال ابن لأثیر ـ المؤرخ المعروف ـ إلحاق زیاد بأبی سفیان کان أول حکم خالف الشریعة الإسلامیة صراحة. حیث قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «الوَلَدُ لِلفَراشِ وَلِلعاهِرِ الحَجَرُ»(1) فالواقع أنّ زیاد اشترى بهذا العمل فضیحة زناه. نقل الشیخ محمد عبده عن أحمد عباس صالح أنّه قال بعد أن ذهل من إلحاق زیاد بأبی سفیان: «وأغرب من هذه القصة أنّ ادعاء هذه الاُمّة تمّ فی مجلس علنی رسمی حتى یتحقق الادعاء على رؤوس الأشهاد، فلم یخجل منه زیاد، موازناً بین مغانم هذه الأخوة وبین ازدراء الناس له، ففضل أخوة الخلیفة على سلامة العرض»(2).

وقد حظت هذه القضیة بانعکاس سلبی عنیف فی العالم الإسلامی، فقام جهابذة الشعراء بإنشاد أشعار الهجاء لتصفها بوصمة العار الکبرى على جبین بنی أمیة(3).

وعقب تلک الحادثة تغیرت سیرة حیاة زیاد الذی کان بالأمس من أعدى أعداء معاویة فأصبح الیوم من أعتى عتاة التاریخ الذی جهد من أجل ترسیخ دعائم حکومة معاویة. الشخص الذی أصبح أسمه یقترن بالرعب والخوف بالنسبة للأمّة.

قال ابن أبی الحدید ـ العالم المعتزلی المشهور ـ فی شرحه نهج البلاغة: «إنّ معاویة ولّى زیاد بن أبیه الکوفة والبصرة فکان یتتبع شیعة علی(علیه السلام) تحت کل حجر  ومدر فیقتلهم»(4). حقّاً یمکن القول إنّ أحد العوامل التی جعلت أهل الکوفة ینفرجون بهذه السرعة عن إسناد مسلم بن عقیل إثر وصول عبید الله بن زیاد إلى الکوفة هذا الرعب الذی خلقه أبوه الغاشم ـ زیاد ـ فی قلوب أهل الکوفة. هذه خلاصة لسیرة جلاد آخر أسهم فی وقوع فاجعة الطف المأساویة.

1 . الکامل لابن الأثیر، ج 3، ص 444 حوادث عام 44; أحادیث أُم المؤمنین عائشة، للسید مرتضى العسکری، ج1، ص 344-346.
2 . شرح نهج البلاغة للعبده، فی ذیل الرسالة 44.
3 . للوقوف على ترجمة زیاد راجع، مختصر تاریخ دمشق، ج 9، ص 75; تاریخ الیعقوبی، ج 2، ص 218; الکامل لابن الأثیر، ج 3، ص 441 وما بعده (حوادث عام 44 و45 ه- )، تاریخ الطبری، ج 4 ص 163; تاریخ ابن عساکر، ج 19، ص216-227; مروج الذهب، ج 3، ص 26 والغدیر، ج10، ص 216-227.
4 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 11، ص 44 (مع اختلاف یسیر) وراجع الغدیر، ج 11، ص 38.