لما سمع معاویة کلام الإمام الحسین(علیه السلام) اعتزل الناس ثلاثة أیّام ثم أمر معاویة بأن یجتمع الناس فی المسجد فنهض وأثنى على یزید وقال: إنّ الناس رضوا وبایعوا یزید فبایعوا على اسم الله، ولو علمت فی الأُمّة من هو خیر منه لبایعته. فنهض الإمام الحسین(علیه السلام)وقال:

والله لقد ترکت من هو خیر منه أباً وأمّاً ونفساً. فقال معاویة کأنّک ترید نفسک. قال(علیه السلام)بلى. فقال معاویة: بلى والله أُمّک خیر من أُمّه کفاها فضلاً أنّها بنت رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وأمّا أبوک فاعلم أنّ الله نصر أباه على أبیک فقال الحسین(علیه السلام):

«حَسْبُکَ جَهْلُکَ! آثَرْتَ الْعاجِلَ، عَلَى الاْجِلِ».

ثم قال معاویة: وأمّا أنّک خیر من یزید فوالله لیزید خیر منک لولایة أُمّة محمد(صلى الله علیه وآله). فقال(علیه السلام):

«هذا هُوَ الاِْفْکُ وَالزُّورُ، یَزیدُ شارِبُ الْخَمْرِ وَمُشْتَری اللَّهْوِ خَیْرٌ مِنِّی».

فقال معاویة: لا تذم ابن عمک، ثم التفت إلى الناس وقال: تعلمون أنّه قبض رسول الله(صلى الله علیه وآله)ولم یستخلف أحد فأرتضى الناس أبا بکر. فسار بالمسلمین بکتاب الله وسنّة رسوله فلما حضرته الوفاة عهد إلى رجل من قریش هو عمر فسار فیهم بکتاب الله وسنّة رسوله، ثم جعل الأمر شورى فی ستة نفر وکل ذلک ظناً منهم لصالح المسلمین، ولذلک أمرت بأخذ البیعة لیزید حیاشة للاختلاف والفرقة(1).

کان معاویة یدرک من جانب أنّ المدینة ـ مرکز انطلاقة هدى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)ومرکز أقطاب الإسلام بما فیهم المهاجرین والأنصار وأبنائهم ـ إن لم تبایع ولده فلا جدوى من عمله وستتراجع سائر المناطق عن البیعة، ولذلک سعى بمختلف الحیل لأخذ البیعة له، من خلال الترغیب والترهیب والخدعة والتغریر وکل وسیلة ممکنة أخرى. إلا أن فشل خططه حال دون تحقیقه لهدفه هو الإمام الحسین(علیه السلام) الذی حضر جلسات معاویة وکان یلقمه حجراً بتلک الفصاحة والبلاغة والشجاعة التی ورثها من أبیه ویفضحه على رؤوس الأشهاد.

1 . الإمامة والسیاسة، ج 1، ص 211-212.