هناک سؤال یتبادر إلى الذهن، وهو: کیف تملأ أمواج الصور الصوتیة کلّ العالم فی نفس اللحظة؟ رغم أنّنا نعلم أنّ سرعة الأمواج الصوتیة بطیئة ولا تتجاوز الـ 240 متراً فی الثانیة، فی حین أنّ سرعة الضوء هی أکثر بملیون مرّة من هذه السرعة إذ تبلغ 300 ألف کیلومتر فی الثانیة.
یجب الاعتراف فی البدایة بأنّ معلوماتنا بشأن هذا الموضوع هی کمعلوماتنا بشأن الکثیر من المسائل المتعلّقة بیوم القیامة، فهی معلومات عامة لا أکثر، إذ نجهل الکثیر من تفاصیل ذلک الیوم کما قلنا.
والتدقیق فی الروایات الواردة فی المصادر الإسلامیة بشأن تفسیر کلمة (الصور) تبیّن عکس ما یتصور البعض من أنّ (الصور) هو (زمارة) أو (مزمار) أو (بوق) اعتیادی.
وقد جاء فی روایة عن الإمام زین العابدین (علیه السلام) أنّه قال: «إنّ الصور قرن عظیم له رأس واحد وطرفان، وبین الطرف الأسفل الذی یلی الأرض إلى الطرف الأعلى الذی یلی السماء مثل تخوم الأرضین إلى فوق السماء السابعة، فیه أثقاب بعدد أرواح الخلائق» (1) .
وفی حدیث ورد عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، جاء فیه: «الصور قرن من نور فیه أثقاب على عدد أرواح العباد» (2) .
طرح مسألة النور هنا بمثابة جواب على السؤال الثّانی المذکور أعلاه، ویوضّح أنّ الصیحة العظیمة لیست من قبیل الأمواج الصوتیة الاعتیادیة، وإنّما هی صیحة أعظم وأعظم، وتکون أمواجها ذات سرعة فائقة وغیر طبیعیة حتى أنّها أسرع من الضوء الذی یجتاز السماء والأرض بفترة زمنیة قصیرة جدّاً، ففی المرّة الاُولى تکون ممیتة، فی المرّة الثانیة تکون باعثة للأموات.
أمّا کیف یتسبب مثل هذا الصوت فی إماتة العالمین، فإن کان هذا الأمر عجیباً فی السابق، فإنّه غیر عجیب الیوم، لأنّنا سمعنا کثیراً بأنّ الأمواج الإنفجاریة تسببت فی تمزّق أجساد البعض وإصابة آخرین بالصمم، ورمی آخرین إلى مسافة بعیدة عن مکانهم، وتسببت فی تدمیر البیوت أیضاً، کما شاهد الکثیر منّا کیف أنّ زیادة سرعة الطائرة وبعبارة اُخرى (اختراق حاجز الصوت) یولّد صوتاً مرعباً وأمواجاً مدمّرة، قد تحطم زجاج نوافذ الکثیر من العمارات والبیوت.
فإذا کانت الأمواج الصوتیة الصغیرة التی هی من صنع الإنسان تحدث مثل هذا التأثیر، فما هی الآثار التی تترکها الصیحة الإلهیّة العظیمة؟ إنّها بلا شکّ انفجار عالمی کبیر.
ولهذا السبب لا عجب أیضاً إن قلنا بوجود أمواج تقابل تلک الأمواج، وأنّها تهزّ الإنسان وتوقظه وتحییه، رغم أنّه من العسیر علینا تصوّر هذا المعنى، ولکننا نرى دائماً کیف یوقظ النائم من نومه بواسطة الصوت، وکیف یعود الإنسان المغمى علیه إلى حالته الطبیعیة بواسطة عدّة صعقات شدیدة، ونکرر القول مرّة اُخرى، ونقول: إنّ علمنا المحدود لا یمکنه إدراک سوى ظلّ هذه الاُمور ومن بعید.
1. لئالی الأخبار، ص 453.
2. علم الیقین، ص 892.
