فشل مخطّطات المشرکین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الصافات / الآیة 95 ـ 100 1ـ خالق کلّ شیء

بعد أن حطّم إبراهیم الأصنام، استدعی إبراهیم بهذه التهمة إلى المحکمة، وهناک سألوه وطلبوا منه الجواب عن الید التی نفّذت هذا الفعل فی معبدهم، وقد شرح القرآن الکریم فی سورة الأنبیاء الحادثة بصورة مفصّلة، بینما اکتفى القرآن فی آیات بحثنا بالإشارة لمقطع حسّاس واحد من مواقف إبراهیم (علیه السلام) وهو آخر کلامه معهم فی مجال بطلان عقیدتهم فی عبادة الأصنام (قال أتعبدون ما تنحتون ).

فهل هناک شخص عاقل یعبد شیئاً من صنع یدیه؟ وما هو الدافع لأی ذی شعور للسجود لشیء صنعه هو بنفسه؟ فأی عقل ومنطق یسمح بفعل هذا؟

فالمعبود یجب أن یکون خالق الإنسان، ولیس صنیعة یده، من الآن فکّروا واعرفوا معبودکم الحقیقی (والله خلقکم وما تعملون ).

فهو خالق الأرض والسماء، ومالک الوقت والزمان، ویجب السجود لهذا الخالق وحمده وعبادته.

إنّ هذه الحجّة کانت من الوضوح والقوّة إلى حدّ جعلتهم یقفون أمامها مبهوتین وغیر قادرین على ردّهاودحضها.

و (ما) فی عبارة (ما تعملون ) هی (ما) الموصولة ولیست (ما) المصدریة، ومنها یراد القول، إنّ الله خلقکم وکذلک ما تصنعون، وعندما یقال: إنّ الأصنام هی من صنع أو عمل الإنسان، فذلک یعنی أنّ الإنسان أعطاها الشکل فقط، وإلاّ فالمادّة التی تصنع منها الأصنام هی من خلق الله أیضاً.

صحیح ما یقال من أنّ هذه السجّادة وذلک البیت وتلک السیارة هی من صنع الإنسان، ولکن المراد لیس أنّ الإنسان هو الذی خلق المواد الأوّلیة لتلک الأشیاء، وإنّما الإنسان صاغ تلک المواد الأوّلیة بشکل معیّن.

أمّا إذا اعتبرنا (ما) مصدریة، فالعبارة تعنی ما یلی: إنّ الله خلقکم وأعمالکم.

وبالطبع فإنّ المعنى هذا لیس خطأ، وعلى خلاف ما یظنّه البعض لیس فیه ما یدلّ على الجبر، لأنّ الأعمال التی نقوم بها رغم أنّها تتمّ بإرادتنا، إلاّ أنّ إرادة وقدرة التصمیم وغیرها من القوى التی تنفذ من خلالها أفعالنا کلّها من الله سبحانه وتعالى، وبهذا الشکل فإنّ الآیة لا تقصد هذا الأمر، وإنّما تقصد الأصنام، وتقول: إنّ الله خلقکم أنتم والأصنام التی صنعتموها وصقلتموها، وجمال هذا الحدیث یتجسّد هنا، لأنّ البحث یخصّ الأصنام ولا یخصّ أعمال البشر.

فی الحقیقة إنّ موضوع هذه الآیة یشبه الموضوع الذی ورد فی قصّة موسى والسحرة والتی تقول: (فإذا هی تلقف ما یأفکون ) (1) ، فالمقصود هنا الأفعى التی هی من صنع السحرة.

ومن المعروف أنّ الطغاة والجبابرة لا یفهمون لغة المنطق والدلیل، ولهذا لم تؤثّر علیهم الأدلّة والبراهین الظاهریة والقویّة التی بیّنها إبراهیم (علیه السلام) على قلوب الجبابرة الحاکمین فی بابل حینذاک، رغم أنّ مجموعات من أبناء الشعب المستضعف هناک إستیقظت من غفلتها وآمنت بدعوة إبراهیم (علیه السلام).

ولإیقاف إنتشار منطق التوحید بین أبناء مدینة بابل، عمد الطغاة الذین أحسّوا بخطر إنتشاره على مصالحهم الخاصّة إلى استخدام منطق القوّة والنار ضدّ إبراهیم (علیه السلام)، المنطق الذی لا یفهمون سواه. حیث هتفوا بالإعتماد على قدراتهم الدنیویة: أن ابنوا له بنیاناً عالیاً، واشعلوا فی وسطه النیران ثمّ ارموه فیه (قالوا ابنوا له بنیاناً فألقوه فی الجحیم ).

ومن هذه العبارة یستفاد أنّ الأوامر کانت قد صدرت ببناء أربعة جدران کبیرة، ومن ثمّ إشعال النیران فی داخلها، وبناء الجدران الأربعة الکبیرة، إنّما تمّ ـ کما یحتمل ـ للحؤول دون إمتداد النیران إلى خارجها، ومنع وقوع أخطار محتملة قد تنجم عنها، ولإیجاد جهنّم واقعیة کتلک التی کان إبراهیم یتهدّد ویتوعّد عبدة الأوثان بها.

صحیح أنّ کمیّة قلیلة من الحطب کانت تکفی لحرق إنسان کإبراهیم، لکنّهم فعلوا ذلک لیطفؤا غیظ قلوبهم من جرّاء تحطیم أصنامهم، وبمعنى آخر الإنتقام من إبراهیم بأشدّ ما یمکن، لعلّهم بذلک یعیدون العظمة والاُبّهة لأصنامهم إضافةً إلى أنّ عملهم هذا کان تخویفاً وتحذیراً لمعارضیهم، کی لا تتکرّر مثل هذه الحادثة مرّة اُخرى فی تأریخ بابل، لذلک فقد أوقدوا ناراً عظیمة.

«الجحیم» فی اللغة هی النار التی تجتمع بعضها على بعض.

هذا، وقد فسّر البعض «البنیان» بأنّه المنجنیق، والمنجنیق ـ کما هو معروف ـ أداة لقذف الأشیاء الثقیلة إلى مکان بعید، لکن أکثر المفسّرین انتخبوا التّفسیر الأوّل، أی أنّ البنیان هو ذلک البناء المکوّن من أربعة جدران کبیرة.

وآیات القرآن الکریم هنا لم تشر إلى دقائق وتفاصیل هذا الحادث الذی ورد فی سورة الأنبیاء، وإنّما أنهت هذه الحادثة بخلاصة مرکّزة ولطیفة (فأرادوا به کیداً فجعلناهم الأسفلین ).

(کید) فی الأصل تعنی الإحتیال، أکان بطریقة صحیحة أم خطأ، مع أنّها غالباً ما تستعمل فی موارد مذمومة، وبما أنّها جاءت بحالة النکرة هنا، فإنّها تدلّ على عظمة الشیء وأهمّیته، وهی إشارة إلى المخطّط الواسع الذی وضعه طغاة بابل للقضاء على دعوة إبراهیم للناس بقوله وعمله ومحو آثارها.

نعم، لقد وضعهم الله سبحانه وتعالى فی أسفل السافلین، فیما رفع إبراهیم (علیه السلام) إلى أعلى علّیین، کما کان أعلى منطقاً، وجعله هو الأعلى فی حادثة إشعال النیران، وأعداءه الأقویاء هم الأخسرین، فکانت النار علیه برداً وسلاماً دون أن تحرق حتى شعرة واحدة من جسد إبراهیم (علیه السلام) وخرج سالماً من ذلک البحر الجهنّمی.

فإرادته تقتضی أن ینجی فی یوم من الأیّام نوحاً من «الغرق»، وفی یوم آخر ینقذ إبراهیم من «الحرق»، وذلک لکی یوضّح أنّ الماء والنار عبدان مطیعان له سبحانه وتعالى ومستجیبان لأوامره.

إبراهیم (علیه السلام) الذی نجا بإرادة الله من هذه الحادثة الرهیبة والمؤامرة الخطیرة التی رسمها أعداؤه له، وخرج مرفوع الرأس منها، صمّم على الهجرة إلى أرض بلاد الشام، إذ إنّ رسالته

فی بابل قد إنتهت، (وقال إنّی ذاهب إلى ربّی سیهدین ).

من البدیهی أنّ الله لا یحویه مکان، والهجرة التی تتمّ فی سبیله من المجتمع الملوّث الفاسد إلى المجتمع الطاهر الصافی، فإنّها هجرة إلى الله.

فالهجرة إلى أرض الأنبیاء والأولیاء ومهبط الوحی الإلهی، هی هجرة إلى الله، مثلما یعرف السفر إلى مکّة المکرّمة بأنّه سفر إلى الله، خاصّة وأنّ هجرة إبراهیم (علیه السلام) کانت من أجل تنفیذ واجب رسالی إلهی، وأنّ الله کان هادیه ومرشده خلال السفر.

الآیات ـ هنا ـ عکست أوّل طلب لإبراهیم (علیه السلام) من الباری عزّوجلّ، إذ طلب الولد الصالح، الولد الذی یتمکّن من مواصلة خطّه الرسالی، ویتمم ما تبقّى من مسیرته، وذلک حینما قال: (ربّ هب لی من الصالحین ).

إنّها حقّاً لعبارة جمیلة (الولد الصالح واللائق) الصالح من حیث الإعتقاد والإیمان، والصالح من حیث القول والعمل، والصالح من جمیع الجهات.

والذی یلفت النظر أنّ إبراهیم (علیه السلام) کان قد طلب من الله فی إحدى المرّات أن یجعله من مجموعة الصالحین، کما نقل القرآن ذلک عن إبراهیم، (ربّ هب لی حکماً والحقنی بالصالحین ). (2)

فیما طلب من الله هنا أن یمنحه الولد الصالح، حیث إنّ کلمة صالح تجمع کلّ الأشیاء اللائقة والجیّدة فی الإنسان الکامل.

فاستجاب الله لدعاء عبده إبراهیم، ورزقه أولاداً صالحین (إسماعیل وإسحاق) وذلک ما وضّحته الآیات التالیة فی هذه السورة (وبشّرناه بإسحاق نبیّاً من الصالحین ). (3)

وبخصوص إسماعیل یقول القرآن الکریم: (وإسماعیل وإدریس وذا الکفل کلّ من الصابرین * وأدخلناهم فی رحمتنا إنّهم من الصالحین ). (4)


1. الأعراف، 117.
1. الشعراء، 83.
2. الصافات، 112.
3. الأنبیاء، 85 و86.
سورة الصافات / الآیة 95 ـ 100 1ـ خالق کلّ شیء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma