إنّ الله یغفر الذنوب جمیعاً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 53 ـ 55 1ـ باب التوبة مفتوح للجمیع

بعد التهدیدات المتکررة التی وردت فی الآیات السابقة بشأن المشرکین والظالمین، فإنّ آیات بحثنا فتحت الأبواب أمام المذنبین وأعطتهم الأمل، لأنّ الهدف الرئیسی من کلّ هذه الأمور هو التربیة والهدایة ولیس الإنتقام والعنف، فبلهجة مملوءة باللطف والمحبة یفتح الباریء أبواب رحمته أمام الجمیع ویصدر أوامر العفو عنهم، عندما یقول: (قل یا عبادی الّذین أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذّنوب جمیعاً ).

التدقیق فی عبارات هذه الآیة یبیّن أنّها من أکثر آیات القرآن الکریم التی تعطی الأمل للمذنبین، فشمولیتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنها أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام): «ما فی القرآن آیة أوسع من یا عبادی الذین أسرفوا...» (1) .

والدلیل على ذلک واضح من وجوه:

التعبیر بـ (یا عبادی ) هی بدایة لطف الباریء عزّوجلّ.

التعبیر بـ (إسراف)بدلا من (الظلم والذنب والجریمة) هو لطف آخر.

التعبیر بـ (على أنفسهم ) یبیّن أنّ ذنوب الإنسان تعود کلّهاعلیه، وهذا التعبیر هو علامة اُخرى من علامات محبّة الله لعباده، وهو یشبه خطاب الأب الحریص لولده، عندما یقول: لا تظلم نفسک أکثر من هذا!

التعبیر بـ (لا تقنطوا )مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ «القنوط» یعنی ـ فی الأصل ـ الیأس من الخیر، فهذه العبارة لوحدها دلیل على أنّ المذنبین یجب أن لا یقنطوا من اللطف الإلهی.

عبارة (من رحمة الله ) التی وردت بعد عبارة (لا تقنطوا ) تأکید آخر على هذا الخیر والمحبّة.

عندما نصل إلى عبارة (إنّ الله یغفر الذّنوب ) التی بدأت بتأکید، «إنّ»، وکلمة «الذنوب» التی جمعت بالألف واللام تشمل کلّ الذنوب من دون أیّ استثناء، فإنّ الکلام یصل إلى الذروة، وعندها تتلاطم أمواج بحر الرحمة الالهیّة.

إنّ ورود کلمة (جمیعاً) کتأکید آخر للتأکید السابق، یوصل الإنسان إلى أقصى درجات الأمل.

8 و9 ـ وصف الباریء عزّوجلّ بالغفور والرحیم فی آخر الآیة، وهما وصفان من أوصاف الله الباعثة على الأمل، فلا یبقى عند الإنسان أدنى شعور بالیأس أو فقدان الأمل.

نعم، لهذا السبب فإنّ الآیة المذکورة أعلاه من أوسع وأشمل آیات القرآن المجید، حیث تعطی الأمل بغفران کلّ أنواع الذنوب، ولهذا السبب فإنّها تبعث الأمل فی النفوس أکثر من بقیة الآیات القرآنیة، وحقّاً، فإنّ الذی لانهایة لبحر لطفه، وشعاع فیضه غیر محدود، لا یتوقع منه أقل من ذلک.

وقد شغلت أذهان المفسّرین مسألتان، رغم أنّ حلّهما کامن فی هذه الآیة والآیة التی تلیها:

الاُولى: هل أنّ عمومیة الآیة تشمل کل الذنوب حتّى الشرک والذنوب الکبیرة الاُخرى، فإذا کان کذلک فلم تقول الآیة 48 من سورة النساء: إنّ الشرک من الذنوب التی لا تغتفر (إنّ الله لا یغفر أن یشرک به ویغفر ما دون ذلک لمن یشاء

والثّانیة: هل أنّ الوعد الذی أعطاه الله بغفران الذنوب مطلق أم مشروط بالتوبة ونظیر ذلک؟

وبالطبع فإنّ السؤال الأوّل مرتبط بالسؤال الثّانی، والجواب علیهما سیتّضح خلال الآیات التالیة بصورة جیّدة، لأنّ هناک ثلاثة أوامر وردت فی الآیات التالیة وضّحت کلّ

شیء (انیبوا إلى ربّکم ) والثّانیة (وأسلموا له ) والثّالثة (واتّبعوا أحسن ما أنزل إلیکم من ربّکم ).

هذه الأوامر الثّلاثة تقول: إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجمیع من دون أىّ استثناء، ولکن شریطة أن یعودوا إلى أنفسهم بعد إرتکاب الذنب، ویتوجّهوا فی مسیرهم نحو الباریء عزّوجلّ، ویستسلموا لأوامره، ویظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل، وبهذا الشکل فلا الشرک مستثنى من المغفرة ولاغیره، وکما قلنا فإنّ هذا العفو العام والرحمة الواسعة مشروطان بشروط لایمکن تجاهلها.

وإذا کانت الآیة 48 من سورة النساء تستثنی المشرکین من هذا العفو والرحمة، فإنّها تقصد المشرکین الذین ماتوا على شرکهم، ولیس اُولئک الذین صحوا من غفلتهم واتبعوا سبیل الله، لأنّ أکثر مسلمی صدر الإسلام کانوا کذلک، أی أنّهم ترکوا عبادة الأصنام والشرک بالله، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدین الإسلامی.

إذا طالعنا الحالة النفسیة عند الکثیر من المجرمین بعد ارتکابهم للذنب الکبیر، نرى أنّ حالة من الألم والندم تصیبهم بحیث لا یتصورون بقاء طریق العودة مفتوحاً أمامهم، ویعتبرون أنفسهم ملوّثین بشکل لا یمکن تطهیره، ویتسألون: هل من الممکن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أنّ الطریق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقی خلفنا جسر غیر مدمّر؟

إنّهم یدرکون معنى الآیة جیّداً، ومستعدون للتوبة،ولکنّهم یتصورون استحالة غفران ذنوبهم، خاصّة إذا کانوا قد تابوا مرّات عدیدة من قبل ثمّ عادوا إلى إرتکاب الذنب مرّة اُخرى.

هذه الآیة تعطی الأمل للجمیع فی أنّ طریق العودة والتوبة مفتوح أمامهم. لذا فإنّ (وحشی) المجرم المعروف فی التاریخ الإسلامی والذی قتل حمزة سید الشهداء (علیه السلام)، کان خائفاً من عدم قبول توبته، لأنّ ذنبه کان عظیماً، مجموعة من المفسّرین قالوا: إنّ هذه الآیة عندما نزلت على الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) فتحت أبواب الرحمة الإلهیّة أمام وحشی التائب وأمثاله!

ولکن لا یمکن أن تکون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآیة، لأنّ هذه السورة من السور المکّیة، ولم تکن معرکة أحد قد وقعت یوم نزول هذه الآیات، ولم تکن ـ أیضاً ـ قصّة شهادة حمزة ولا توبة وحشی، وإنّما هی من قبیل تطبیق قانون عام على أحد المصادیق.

وعلى أیّة حال فإنّ شمول معنى الآیة یمکن أن یشخّص هذا المعنى.

یتضح ممّا تقدم أنّ إصرار بعض المفسّرین کالآلوسی فی تفسیره (روح المعانی) على أنّ الوعد بالمغفرة الذی ورد فی الآیة المذکورة أعلاه لیس مشروطاً بشیء غیر صحیح، حتّى أنّ الأدلّة السبعة عشر التی ذکرها بشأن هذا الموضوع غیر مقبولة، لأنّ فیها تعارضاً واضحاً مع الآیات التالیة، والکثیر من هذه الأدلة السبعة عشر یمکن ادغامها فی بعضها البعض، ولا یفهم منها سوى أنّ رحمة الله واسعة تشمل حتّى المذنبین، وهذا لا یتعارض مع کون الوعد الإلهی مشروطاً، بقرائن الآیات التالیة، وسیأتی مزید بحث فی نهایة هذا البحث.

«الآیة التی تلیها» ترشد المجرمین والمذنبین الى الطریق للدخول إلى بحر الرحمة الإلهیّة الواسع إذ تقول: (وانیبوا إلى ربّکم ) واصلحوا اُمورکم ومسیر حیاتکم (واسلموا له من قبل أن یأتیکم العذاب ثمّ لا تنصرون ).

بعد طی هاتین المرحلتین «الإنابة» و«التسلیم»، تتحدّث الآیة عن المرحلة الثّالثة وهی مرحلة (العمل)، إذ تقول: (واتّبعوا أحسن ما أنزل إلیکم من ربّکم من قبل أن یأتیکم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ).

وبهذا الشکل فإنّ مسیرة الوصول إلى الرحمة الإلهیّة لا تتعدى هذه الخطوات الثلاث:

الخطوة الاُولى: التوبة والندم على الذنب والتوجّه إلى الله تعالى.

الخطوة الثّانیة: الإیمان بالله والإستسلام له.

الخطوة الثّالثة: العمل الصالح.

فبعد طی هذه المراحل الثلاث یکون الإنسان قد دخل إلى بحر الرحمة الإلهیّة الواسع طبقاً لوعد الله المؤکّد مهما کان ذلک الإنسان مثقلا بالذنوب.

أمّا بشأن المراد من (اتبعوا أحسن ما أنزل إلیکم من ربّکم ) فقد ذکر المفسّرون تفسیرات متعددة. والتّفسیر الأنسب هو أنّ أوامر متعددة ومختلفة نزلت من عند الباریء عزّوجلّ، البعض منها واجب والآخر مستحبّ، والبعض الآخر مباح، والمراد من (أحسن) هو انتخاب الواجبات والمستحبات، مع الإنتباه إلى تدرّجها.

وقال البعض: إنّه إشارة إلى کون القرآن هو أحسن الکتب السماویة النازلة، بدلیل ما ورد فی الآیة 23 من هذه السورة (الزمر) (الله نزّل أحسن الحدیث کتاباً متشابهاً مثانی ). وبالطبع فإنّه لا یوجد هناک أىّ تعارض بین التّفسیرین.


1. تفسیر مجمع البیان، وتفسیر القرطبی، وتفسیر الصافی، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الزّمر / الآیة 53 ـ 55 1ـ باب التوبة مفتوح للجمیع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma