خطّة إبراهیم الذکیّة فی تحطیم الأصنام:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الصافات / الآیة 83 ـ 94 1ـ هل أنّ الأنبیاء یستخدمون التوریة؟

آیات بحثنا هذا تتناول بشیء من التفصیل حیاة النّبی الشجاع إبراهیم (علیه السلام) محطّم الأصنام بعد آیات إستعرضت جوانب من تاریخ نوح (علیه السلام) الملیء بالحوادث.

ففی البدایة تحدّثت القصّة عن تحطیم إبراهیم للأصنام، والموقف الشدید الذی اتّخذه عبدة الأصنام تجاه إبراهیم، فیما یتطرّق القسم الآخر من القصّة للمشهد الکبیر الذی یتمثّل فی تضحیات إبراهیم الخلیل وقضیّة ذبح إبنه إسماعیل، والآیات التی تخصّ هذا القسم ذُکرت هنا ـ فقط ـ بهذا التفصیل، ولم تذکر فی موضع آخر بهذا الشکل.

الآیة الاُولى، ربطت بین قصّة إبراهیم وقصّة نوح بهذه الصورة (وإنّ من شیعته لإبراهیم ).

أی إنّ إبراهیم کان سائراً على خطى نوح (علیه السلام) فی التوحید والعدل والتقوى والإخلاص، حیث إنّ الأنبیاء یبلّغون لفکر واحد، وهم أساتذة جامعة واحدة، وکلّ واحد منهم یواصل تنفیذ برامج الآخر لإکمالها.

کم هی جمیلة هذه العبارة؟ إبراهیم من شیعة نوح، رغم أنّ الفاصل الزمنی بینهما کان

کبیراً (قال بعض المفسّرین: إنّ الفاصل الزمنی بینهما یقدّر بـ 2600 سنة)، إذ إنّ العلاقات الإیمانیة ـ کما هو معروف ـ لا یؤثّر علیها الفاصل الزمنی أدنى تأثیر (1) .

بعد هذا العرض المختصر ندخل فی التفاصیل، قال تعالى: (إذ جاء ربّه بقلب سلیم ).

حیث فسّر المفسّرون (قلب سلیم) بعدّة صور، أشارت کلّ واحدة منها إلى أحد أبعاد هذه المسألة.

القلب الطاهر من الشرک.

أو القلب الخالص من المعاصی والظلم والنفاق.

أو القلب الخالی من حبّ الدنیا، لأنّ حبّ الدنیا هو مصدر کلّ الخطایا.

وأخیراً هو القلب الذی لا یوجد فیه شیء سوى الله.

فی الحقیقة إنّ کلمة (سلیم) مشتقّة من (السلامة)، وعندما تطرح السلامة بصورة مطلقة، فإنّها تشمل أیضاً السلامة من کلّ الأمراض الأخلاقیة والعقائدیة.

فالقرآن الکریم یقول بشأن المنافقین (فی قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً )، (2) أی إنّ قلوبهم مصابة بنوع من أنواع المرض، وإنّ الله سبحانه وتعالى أضاف أمراضاً اُخرى إلى ذلک المرض على أثر لجاجتهم وإرتکابهم المزید من الذنوب.

وأجمل من فسّر عبارة (القلب السلیم) هو الإمام الصادق (علیه السلام) عندما قال: «القلب السلیم الذی یلقى ربّه ولیس فیه أحد سواه!» (3) . حیث جمع بقوله کلّ الأوصاف المذکورة مسبقاً.

وقد جاء فی روایة اُخرى للإمام الصادق (علیه السلام) «صاحب النیّة الصادقة صاحب القلب السلیم، لأنّ سلامة القلب من هواجس المذکورات تخلص النیّة لله فی الاُمور کلّها» (4) .

واعتبر القرآن الکریم القلب السلیم رأس مال نجاة الإنسان یوم القیامة، حیث نقرأ فی سورة الشعراء على لسان النّبی الکبیر إبراهیم (علیه السلام) قوله تعالى: (یوم لا ینفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سلیم ) (5) .

نعم، من هنا تبدأ قصّة إبراهیم ذی القلب السلیم، والروح الطاهرة، والإرادة الصلبة، والعزم الراسخ، مع قومه، إذ کلّف بالجهاد ضدّ عبّاد الأصنام، وبدأ بأبیه وعشیرته (إذ قال لأبیه وقومه ماذا تعبدون )، ما هذه الأشیاء التی تعبدونها؟

ألیس من المؤسف على الإنسان الذی کرّمه الله على سائر المخلوقات، وأعطاه العقل أن یعظّم قطعة من الحجر والخشب العدیم الفائدة؟ أین عقولکم؟

ثمّ یکمل العبارة السابقة التی کان فیها تحقیر واضح للأصنام، ویقول: (أإفکاً آلهة دون الله تریدون ) (6) .

إستخدام کلمة «إفک» فی هذه الآیة، والتی تعنی الکذب العظیم أو القبیح، توضّح حزم وقاطعیة إبراهیم (علیه السلام) بشأن الأصنام.

واختتم کلامه فی هذا المقطع بعبارة عنیفة (فما ظنّکم بربّ العالمین ) إذ تأکلون ما یرزقکم به یومیّاً، ونعمه تحیط بکم من کلّ جانب، ورغم هذا تقصدون موجودات لا قیمة لها من دون الله، فهل تتوقّعون أنّه سیرحمکم وسوف لا یعذّبکم بأشدّ العذاب؟ کم هو خطأ کبیر وضلال خطیر؟!

عبارة (ربّ العالمین ) تشیر إلى أنّ کلّ العالم یدور فی ظلّ ربوبیته تبارک وتعالى، وقد ترکتموه واتّجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الفارغة.

وجاء فی کتب التاریخ والتّفسیر، أنّ عبدة الأصنام فی مدینة بابل کان لهم عید یحتفلون به سنویاً، یهیّئون فیه الطعام داخل معابدهم، ثمّ یضعونه بین یدی آلهتهم لتبارکه، ثمّ یخرجون جمیعاً إلى خارج المدینة، وفی آخر الیوم یعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب.

وبذلک خلت المدینة من سکّانها، فاستغلّ إبراهیم (علیه السلام) هذه الفرصة الجیّدة لتحطیم الأصنام، الفرصة التی کان إبراهیم (علیه السلام) ینتظرها منذ فترة طویلة، ولم یکن راغباً فی إضاعتها.

وحین دعاه قومه لیلا للمشارکة فی مراسمهم نظر إلى النجوم (فنظر نظرةً فی النجوم ).

(فقال إنّی سقیم ).

وبهذا الشکل إعتذر عن مشارکتهم.

بعد إعتذاره ترکوه وأسرعوا لتأدیة مراسمهم (فتولّوا عنه مدبرین ).

وهنا یطرح سؤالان:

الأوّل: لماذا نظر إبراهیم (علیه السلام) فی النجوم، وما هو هدفه من هذه النظرة؟

والثانی: هل أنّه کان مریضاً حقّاً حینما قال: إنّنی مریض؟ وما هو مرضه؟

جواب السؤال الأوّل، مع أخذ إعتقادات أهل بابل وعاداتهم بنظر الاعتبار، یتّضح أنّهم کانوا یستقرئون النجوم، وحتى أنّهم کانوا یقولون بأنّ أصنامهم کانت هیاکل النجوم على الأرض، ولهذا السبب فإنّهم یکنّون لها الإحترام لکونها تمثّل النجوم.

وبالطبع فإلى جانب إستقرائهم للنجوم، کانت هناک خرافات کثیرة فی هذا المجال شائعة فی أوساطهم، منها أنّهم کانوا یعتبرون النجوم تؤثّر على حظوظهم، وکانوا یطلبون منها الخیر والبرکة، کما کانوا یستدلّون بها على الحوادث المستقبلیة.

ولکی یوهمهم إبراهیم (علیه السلام) بأنّه یقول بمثل قولهم، نظر إلى السماء وقال حینذاک: إنّی سقیم، فترکوه ظنّاً منهم أنّ نجمه یدلّ على سقمه.

أمّا بعض کبار المفسّرین، فقد احتملوا أنّه کان یرید من حرکة النجوم تعیین الوقت الدقیق لمرضه، لأنّه کان مصاباً بحمى تعتریه فی أوقات معیّنة، ولکن الاحتمال الأوّل اکثر انسجاماً مع أجواء الآیة مع الأخذ بنظر الإعتبار معتقدات أهل بابل السائدة آنذاک.

فیما احتمل البعض الآخر أنّ نظره إلى السماء هو التفکّر فی أسرار الخلق، رغم أنّهم کانوا یتصوّرون أنّ نظراته إلى السماء هی نظرات منجّم یرید من خلال حرکة النجوم توقّع الحوادث القادمة.

أمّا بخصوص السؤال الثانی فقد ذکروا أجوبة متعدّدة:

منها: أنّه کان مریضاً حقّاً، وحتى إن لم یکن مریضاً فإنّه لن یشارک فی مراسم عیدهم، فمرضه کان عذراً جیّداً لعدم مشارکته فی تلک المراسم وفی نفس الوقت فرصة ذهبیة لتحطیم الأصنام، ولا نمتلک دلیلا یمکننا من القول بأنّه إستخدم التوریة، کما أنّ استخدام التوریة من قبل الأنبیاء یعدّ عملا غیر مناسب.

وقال البعض الآخر: إنّ إبراهیم لم یکن مصاباً بمرض جسدی، وإنّما کانت روحه متعبة، من جرّاء الممارسات التافهة لقومه وکفرهم وظلمهم وفسادهم، فبهذا أوضح لهم الحقیقة، رغم أنّهم تصوّروا شیئاً آخر، واعتقدوا أنّه یعانی من أمراض جسدیة.

واحتمل البعض أنّه إستخدم التوریة فی کلامه معهم، فمثلا یأتی شخص ویطرق باب البیت، ویستفسر: هل فلان موجود فی البیت، فیأتیه الجواب: إنّه لیس هنا، والمراد من هنا هو خلف باب البیت ولیس البیت کلّه، فی حین أنّ السامع یفهم أنّه لیس موجوداً فی البیت، (مثل هذه العبارات التی هی لیست بکذب وظاهرها یعطی مفهوماً آخر یطلق علیها فی الفقه اسم «التوریة») ومقصود إبراهیم (علیه السلام) انّنی یمکن أن أمرض فی المستقبل، قال ذلک لیتخلّص منهم ویترکوه وحیداً.

ولکن التّفسیر الأوّل والثانی أنسب حسب الظاهر.

وبهذه الطریقة بقی إبراهیم (علیه السلام) وحده فی المدینة بعد أن ترکها عبدة الأصنام متوجّهین إلى خارجها، فنظر إبراهیم حوله ونور الإشتیاق لتحطیم الأصنام ظاهر فی عینیه، إذ قربت اللحظات التی کان ینتظرها، وعلیه أن یتحرّک لمحاربة الأصنام وإلحاق ضربة عنیفة بها، ضربة تهزّ العقول التافهة لعبدتها وتوقظهم.

فذهب إلى معبد الأصنام، ونظر إلى صحون وأوانی الطعام المنتشرة فی المعبد، ثمّ نظر إلى الأصنام وصاح بها مستهزئاً، ألا تأکلون من هذا الطعام الذی جلبه لکم عبدتکم، إنّه غذاء دسم ولذیذ ومتنوّع، ما لکم لا تأکلون؟ (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأکلون ) (7) .

ثمّ أضاف، لِمَ لا تتکلّمون؟ لِمَ تعجز ألسنتکم عن النطق؟ (ما لکم لا تنطقون ).

وبهذا استهزأ إبراهیم (علیه السلام) بکلّ معتقداتهم الخرافیة، ومن دون أی شکّ فإنّه کان یعرف أنّها لا تأکل ولا تتحدّث، وأنّها جماد. وأراد من وراء ذلک عرض حادثة تحطیم الأصنام بصورة جمیلة ولطیفة.

بعد ذلک شمر عن ساعدیه، فأمسک الفأس وانقضّ على تلک الأصنام بالضرب بکلّ ما لدیه من قوّة (فراغ علیهم ضرباً بالیمین ).

والمراد من «الیمین» إمّا ید الإنسان الیمنى، والتی ینجز الإنسان بها معظم أعماله، أو أنّها کنایة عن القدرة والقوّة، ویمکن أن تجمع بین المعنیین.

على أیّة حال، فإنّ إنقضاض إبراهیم (علیه السلام) على الأصنام، حوّل معبد الأصنام المنظّم إلى خربة موحشة، حیث لم یبق صنم على حالته الاُولى، فالأیدی والأرجل المحطّمة تفرّقت هنا وهناک داخل المعبد، وکم کان منظر المعبد بالنسبة لعبدة الأصنام مؤثّراً ومؤسفاً ومؤلماً فی نفس الوقت.

وبعد إنتهائه من تحطیم الأصنام، غادر إبراهیم ـ بکلّ هدوء وإطمئنان ـ معبد الأصنام عائداً إلى بیته لیعدّ نفسه للحوادث المقبلة، لأنّه کان یعلم أنّ عمله کان بمثابة إنفجار هائل سیهزّ المدینة برمّتها ومملکة بابل بأجمعها، وسیحدث موجة من الغضب العارم، الموجة التی سیکون إبراهیم (علیه السلام) وحیداً فی وسطها. إلاّ أنّ له ربّاً یحمیه، وهذا یکفیه.

وفی آخر الیوم عاد عبدة الأصنام إلى مدینتهم، واتّجهوا فوراً إلى معبدهم، فشاهدوا مشهداً رهیباً وغامضاً، ومن شدّة رهبة المشهد تجمّد البعض فی مکانه، فیما فقد البعض الآخر عقله وهو ینظر بدهشة وتحیّر لجذاذ آلهته المنتشرة هنا وهناک، تلک الأصنام التی خالوها ملجأً وملاذاً لهم یوم لا ملجأ لهم، أصبحت  بلا ناصر ولا معین.

ثمّ تحوّل جوّ السکوت الذی خیّم علیهم لحظة مشاهدة المشهد، تحوّل إلى صراخ وإستفسار عمّن فعل ذلک بآلهتهم؟

ولم یمرّ وقت طویل، حتى تذکّروا وجود شاب یعبد الله فی مدینتهم إسمه إبراهیم، کان یستهزىء بأصنامهم، ویهدّد بأنّه أعدّ مخطّطاً خطیراً لأصنامهم.

من هنا استدلّوا على أنّ إبراهیم هو الفاعل، فأقبلوا علیه جمیعاً غاضبین (فأقبلوا إلیه یزفّون ).

«یزفّون» مشتقّة من «زفّ» على وزن (کفّ) وتستعمل بخصوص هبوب الریاح والحرکة السریعة للنعامة الممتزجة ما بین السیر والطیران، ثمّ تستخدم للکنایة عن (زفاف العروس) إذ تعنی أخذ العروس إلى بیت زوجها.

على أیّة حال، المراد هنا هو أنّ عبدة الأصنام جاؤوا مسرعین إلى إبراهیم، وسنقرأ تتمّة الأحداث فی الآیات القادمة.


1. بعض المفسّرین أرجعوا ضمیر (شیعته) إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله)، فی حین أنّ آیات القرآن الکریم تقول: رسول الله (صلى الله علیه وآله) اتّبع ملّة إبراهیم، علاوةً على ذلک فإنّ هذا المرجع لیس له فی الآیات السابقة واللاحقة ضمیر یدلّ علیه، ومن الممکن أنّهم تصوّروا أنّ تعبیر الشیعة هو دلیل على أفضلیة نوح على إبراهیم، فی حین أنّ القرآن الکریم تحدّث عن شخصیة سامیة لإبراهیم، لکن هذا التعبیر خال من أیّة دلالة على هذه المسألة، بل المقصود إستمرار الخطّ الفکری والدینی، کما أنّ أفضلیة رسول الإسلام (صلى الله علیه وآله) بالنسبة لکافّة الأنبیاء لا تتنافی مع إتّباعه لدین إبراهیم التوحیدی یقول القرآن، فی الآیة 90 من سورة الأنعام ( فبهداهم اقتده ).
2. البقرة، 10.
3. أصول الکافی، ج 2، ص 16، ونقله صاحب تفسیر الصافی فی ذیل الآیة 89 من سورة الشعراء.
4. بحارالانوار، ج 70، ص 210.
5. فی مجال القلب السلیم ورد بحث مشروح فی هذا التفسیر ذیل الآیات 88 و89 من سورة الشعراء (تحت عنوان القلب السلیم وحده رأسمال النجاة).
6. فی ترکیب هذه الجملة ذکر المفسّرون احتمالین: الأوّل: أنّ (إفکاً) مفعول به لـ (تریدون) و (آلهة) بدله، والآخر: أنّ (آلهة) مفعول به و (إفکاً) مفعول لأجله تقدّم للأهمیّة.
7. «راغ» من مادّة «روغ» وتعنی التوجّه والتمایل بشکل سرّی ومخفی أو بشکل مؤامرة وتخریب.
سورة الصافات / الآیة 83 ـ 94 1ـ هل أنّ الأنبیاء یستخدمون التوریة؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma