العجائب المختلفة للخلقة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة فاطر / الآیة 27 ـ 28 سورة فاطر / الآیة 29 ـ 30

مرّة اُخرى تعود هذه الآیات إلى مسألة التوحید، وتفتح صفحة جدیدة من کتاب التکوین أمام ذوی البصائر من الناس، لکی ترد بعنف على المشرکین المعاندین ومنکری التوحید المتعصّبین.

هذه الصفحة المشرقة من کتاب الخلق العظیم تلفت الانظار إلى تنوّع الجمادات والمظاهر المختلفة والجمیلة للحیاة فی عالم النبات والحیوان والإنسان، وکیف جعل الله سبحانه من الماء العدیم اللون الآلاف من الکائنات الملوّنة، وکیف خلق من عناصر معیّنة ومحدودة موجودات متنوّعة أحدها أجمل من الآخر!!

فهذا النقّاش الحاذق أبدع بقلم واحد وحبر واحد أنواع الرسوم والأشکال التی تجذب الناظرین وتحیّرهم وتدهشهم.

أوّلا تقول الآیة الکریمة: (ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ).

شروع هذه الجملة بالإستفهام التقریری، وبتحریک حسّ التساؤل لدى البشر، إشارة إلى أنّ هذا الموضوع جلی إلى درجة أنّ أی شخص إذا نظرمن موقع طلب الحقیقة أبصرها، نعم، یبصر هذه الفواکه والزهور الجمیلة والأوراق والبراعم المختلفة بأشکال مختلفة تتولّد من ماء وتراب واحد.

«ألوان»: قد یکون المراد «الألوان الظاهریة للفواکه» والتی تتفاوت حتى فی نوع الفاکهة الواحد کالتفّاح الذی یتلوّن بألوان متنوعة ناهیک عن الفواکه المختلفة. وقد یکون کنایة عن التفاوت فی المذاق والترکیب والخواص المتنوّعة لها، إلى حدّ أنّه حتى فی النوع الواحد من الفاکهة توجد أصناف متفاوتة، کما فی العنب مثلا حیث إنّه أکثر من 50 نوعاً، والتمر أکثر من سبعین نوعاً.

والملفت للنظر هو إستخدام صیغة الغائب فی الحدیث عنه عزّوجلّ، ثمّ الإنتقال إلى صیغة المتکلّم، وهذا النوع من التعابیر، غیر منحصر فی هذه الآیة فقط، بل یلاحظ فی مواضع اُخرى من القرآن المجید أیضاً، وکأنّ الجملة الاُولى تعطی للمخاطب إدراکاً ومعرفة جدیدة، وتستحضره بهذا الإدراک والمعرفة بین یدی الباری عزّوجلّ، ثمّ عند حضوره یلقى علیه الحدیث مباشرةً.

ثمّ تُشیر الآیة إلى تنوّع أشکال الجبال والطرق الملوّنة التی تمرّ من خلالها وتؤدّی إلى تشخیصها وتفریقها الواحدة عن الاُخرى. فتقول: (ومن الجبال جدد بیض وحمر مختلف ألوانها وغرابیب سود ) (1) .

هذا التفاوت اللونی یضفی على الجبال جمالا خاصّاً من جهة، ومن جهة اُخرى، یکون سبباً لتشخیص الطرق وعدم الضیاع فیما بین طرقها الملیئة بالإلتواءات والإنحدارات، وأخیراً فهو دلیل على أنّ الله على کلّ شیء قدیر.

«جدد» جمع «جدّة» ـ على وزن غدّة ـ بمعنى الجادّة والطریق.

«بیض» جمع «أبیض» کما أنّ «حمر» جمع «أحمر» وهو إشارة إلى الألوان.

«غرابیب» جمع «غربیب» ـ على وزن کبریت ـ وهو الشبیه للغراب فی السواد، کقولک أسود کحلک الغراب. وعلیه فإنّ ذکر کلمة «سود» بعدها والتی هی أیضاً جمع «أسود» تأکید على شدّة وحلک السواد فی بعض الطرق الجبلیة (2) .

واحتمل أیضاً أن یکون التّفسیر: ألم تر أنّ الجبال نفسها مثل طرائق بیضاً وحمراً وسوداً مختلفاً ألوانها خطّت على سطح الأرض، وخاصّة إذا نظر إلیها الشخص من فاصلة بعیدة، فانّها تُرى على شکل خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض بیض وحمر وسود مختلف ألوانه (3) .

على کلّ حال فإنّ تشکیل الجبال بألوان مختلفة من جهة، وتلوین الطرق الجبلیة بألوان متفاوتة، من جهة اُخرى، دلیل آخر على عظمة وقدرة وحکمة الله سبحانه وتعالى والتی تتجلّى وتتزیّن کلّ آن بشکل جدید.

وفی الآیة التالیة تطرح مسألة تنوّع الألوان فی البشر والأحیاء الاُخرى، فیقول تعالى: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه ).

أجل، فالبشر مع کونهم جمیعاً لأب واحد واُمّ واحدة، إلاّ أنّهم عناصر وألوان متفاوتة تماماً، فالبعض أبیض البشرة کالوفر، والبعض الآخر أسود کالحبر، وحتى فی العنصر الواحد فإنّ التفاوت فی اللون شدید أیضاً، بل إنّ التوأمین الذین یطویان المراحل الجنینیة معاً، واللذین یحتضن أحدهما الآخر منذ البدء، إذا دقّقنا النظر نجدهما لیسا من لون واحد، مع أنّهما من نفس الأبوین، وتمّ إنعقاد نطفتیهما فی وقت واحد، وتغذّیا من غذاء واحد.

ناهیک عن التفاوت والإختلاف الکامل فی بواطنهم عدا أشکالهم الظاهریة، وفی خلقهم ورغباتهم وخصوصیات شخصیاتهم وإستعداداتهم وذوقهم، بحیث یتکوّن بذلک کیان مستقل منسجم بکلّ إحتیاجاته الخاصّة.

فی عالم الکائنات الحیّة أیضاً یوجد آلاف الآلاف من أنواع الحشرات، الطیور، الزواحف، الحیوانات البحریة، الوحوش الصحراویة، بکلّ خصائصها النوعیة وعجائب خلقتها، کدلالة على قدرة وعظمة وعلم خالقها.

حینما نضع قدمنا فی حدیقة کبیرة من حدائق الحیوان فسوف نصاب بالذهول والحیرة والدهشة بحیث إنّنا ـ بلا وعی منّا ـ نتوجّه بالشکر والثناء لله المبدع لکلّ هذا الفن الخلاّب على صفحة الوجود. مع أنّنا لا نرى أمامنا فی تلک الحدیقة إلاّ جزءً من آلاف الأجزاء من الموجودات الحیّة فی العالم.

وبعد عرض تلک الأدلّة التوحیدیة یقول تعالى فی الختام جامعاً: نعم إنّ الأمر کذلک (کذلک ) (4) .

ولأنّ إمکانیة الإنتفاع من آیات الخلق العظیمة هذه تتوفّر أکثر عند العباد العقلاء والمفکّرین یقول تعالى فی آخر الآیة: (إنّما یخشى الله من عباده العلماء ).

نعم فالعلماء من بین جمیع العباد، هم الذین نالوا المقام الرفیع من الخشیة «وهی الخوف من المسؤولیة متوافق مع إدراک لعظمة الله سبحانه»، حالة (الخشیة) هذه تولّدت نتیجة سبر أغوار الآیات الآفاقیة والأنفسیة، والتعرّف على حقیقة علم وقدرة الله وغایة الخلق.

الراغب فی مفرداته یقول: «الخشیة خوف یشوبه تعظیم، وأکثر ما یکون ذلک عن علم بما یُخشى منه، ولذلک خصّ العلماء بها».

قلنا تکراراً بأنّ الخوف من الله بمعنى الخوف من المسؤولیة التی یواجهها الإنسان، الخوف من أن یقصّر فی أداء رسالته ووظیفته، ناهیک عن أنّ إدراک جسامة تلک المسؤولیة یؤدّی أیضاً إلى الخشیة، لأنّ الله المطلق قد عهد بها إلى الإنسان المحدود الضعیف، (تأمّل بدقّة)!!

کذلک یستفاد من هذه الجملة ضمناً بأنّ العلماء الحقیقیین هم اُولئک الذین یستشعرون المسؤولیة الثقیلة حیال وظائفهم، وبتعبیر آخر: أهل عمل لا کلام، إذ إنّ العلم بدون عمل دلیل على عدم الخشیة، ومن لا یستشعر الخشیة لا تشمله الآیة أعلاه.

هذه الحقیقة وردت فی حدیث عن الإمام زین العابدین علی بن الحسین (علیه السلام)حیث یقول: «وما العلم بالله والعمل إلاّ إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله، وإنّ أرباب العلم وأتباعهم (هم) الذین عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إلیه، وقد قال الله: (إنّما یخشى الله من عباده العلماء )» (5) .

ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة «یعنی بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم یصدق قوله فعله فلیس بعالم» (6) .

وفی حدیث آخر جاء «أعلمکم بالله أخوفکم لله».

ملخّص القول أنّ العلماء ـ بالمنطق القرآنی ـ لیسوا اُولئک الذین تحوّلت أدمغتهم إلى صنادیق للآراء والأفکار المختلفة من هنا وهناک وملیئة بالقوانین والمعادلات العلمیّة للعالم وتلهج بها ألسنتهم، أو الذین سکنوا المدارس والجامعات والمکاتب، بل إنّ العلماء هم أصحاب النظر الذین أضاء نور العلم والمعرفة کلّ وجودهم بنور الله والإیمان والتقوى، والذین هم أشدّ الناس إرتباطاً بتکالیفهم مع ما یستشعرونه من عظمة المسؤولیة إزاءها.

نقرأ فی سورة القصص أیضاً أنّه حینما اغترّ «قارون» وإستشعر الرضى عن نفسه وادّعى لها مقام العلم، قام یعرض ثروته أمام الناس، وتمنّى عبّاد الدنیا الذین أسرتهم تلک المظاهر البرّاقة أن تکون لهم مثل تلک الثروة والإمکانیة الدنیویة، ولکن علماء بنی إسرائیل قالوا لهم: إنّ ثواب الله خیرٌ وأبقى لمن آمن وعمل صالحاً، ولا یفوز بذلک إلاّ الصابرون المستقیمون: (وقال الذین اُوتوا العلم ویلکم ثواب الله خیر لمن آمن وعمل صالحاً ولا یلقاها إلاّ الصابرون ). (7)

وفی ختام الآیة یقول تعالى، کدلیل موجز على ما مرّ: (إنّ الله عزیز غفور ).

«عزّته» وقدرته اللامتناهیة منبع للخوف والخشیة عند العلماء، و(غفرانه)، سبب فی الرجاء والأمل عندهم، وبذا فإنّ هذین الاسمین المقدّسین یحفظان عباد الله بین الخوف والرجاء، ونعلم بأنّه لا یمکن إدامة الحرکة باتّجاه التکامل بدون الإتّصاف بهاتین الصفتین بشکل متکافیء.


1. قال البعض بأنّ هذه الجملة الإستئنافیة «من الجبال» خبر مقدّم و «جدد» مبتدأ مؤخّر، وذهب آخرون: إنّ تقدیر الجملة هکذا «ألم تر أنّ من الجبال جدد بیض وحمر مختلف ألوانها».
2. استناداً إلى ما صرّحت به بعض کتب اللغة کلسان العرب فإنّ (سود) فی الآیة أعلاه هی بدل عن «غرابیب» لأنّه فی حالة الألوان لا یقدّم التأکید، لاحظ أنّ (غرابیب) أکثر إشباعاً للتأکید من ناحیة السواد، لذا قیل إنّ الأصل کان «سودٌ غرابیب».
3. تفسیر المیزان، ج 17، ص 42.
4. حول ما هو إعراب «کذلک» اُعطیت إحتمالات عدیدة، بعضهم قالوا بأنّها جملة مستقلّة تقدیرها (الأمر کذلک) ونحن إنتخبنا فی تفسیرنا هذا المعنى لکونه الأنسب، ولکن البعض ربطوها بالجملة السابقة فقالوا: إنّ المعنى هو کما أنّ الثمرات وجدد الجبال مختلف ألوانها کذلک الناس والدواب والأنعام، وقد احتمل أیضاً أن تکون الجملة مرتبطة بما بعدها والمعنى: کذلک تختلف أحوال العباد فی الخشیة.
5. روضة الکافی، طبقاً لنقل تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 359.
6. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث.
7. القصص، 80 .
سورة فاطر / الآیة 27 ـ 28 سورة فاطر / الآیة 29 ـ 30
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma