جوانب من النعم لأهل الجنّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الصافات / الآیة 41 ـ 49 نظرة عامّة على ما جاء فی الآیات السابقة:

الآیات الأخیرة فی البحث السابق تحدّثت عن عباد الله المخلصین، أمّا آیات بحثنا هذا فإنّها تستعرض العطایا والنعم غیر المحدودة التی یهبها الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة، ویمکن توضیحها فی سبعة أقسام:

تقول الآیة أوّلا: إنّ لهم رزقاً معلوماً ومعیّناً (اُولئک لهم رزق معلوم ).

فهل هذه هی خلاصة لتلک النعم التی ستبیّنها الآیات فیما بعد، وتوضیح للنعم التی ستغدق علیهم بصورة خفیّة.

أو إشارة إلى نعم معنویة غیر معروفة وغیر قابلة للوصف، تتصدّر نعم أهل الجنّة.

بعض المفسّرین فسّرها بالشکل الأوّل، فیما فسّرها آخرون بالشکل الثانی، وتناسب البحث یتواءم مع المعنى الثانی، وبهذا فإنّ النعمة الاُولى من النعم السبع ـ التی وردت فی آیات بحثنا ـ هی الهبات المعنویة والمتع الروحیة ودرک مظاهر ذات الله، وتناول الشراب الطاهر والغمرة فی عشق الله، اللذّة التی لا یمکن أن یدرکها العبد ما لم یتذوّقها ویعیش رحابها.

والسبب فی أنّ العطایا المادیّة فی الجنّة قد ذُکرت فی آیات القرآن الکریم بالتفصیل والهبات المعنویة والملذّات الروحیة استعرضت بصورة خفیّة، فهو أنّ الاُولى قابلة للوصف دون الثانیة.

وأمّا بشأن معنى (رزق معلوم ) فلقد قیل عنها الکثیر، هل هی بمعنى معلوم الوقت، أم بقاءه ودوامه، أم سائر خصائصه؟ ولکن کما قلنا قبل قلیل فانّ «معلوم» تعبیر خفی ومجمل عن المواهب التی لا تقبل الوصف.

ثمّ ینتقل إلى بیان نعم اُخرى، ویعدّد قبل کلّ شیء بعض نعم الجنّة التی تقدّم لأهل الجنّة بکل إحترام وتکریم (فواکه وهم مکرمون ).

ولیس بتلک الصورة التی یرمى فیها الطعام أمام الحیوان لتناوله، وإنّما یقدّم لهم الطعام بکلّ إحترام وکأنّهم ضیوف أعزّاء.

هنا نترک الحدیث عن أنواع الفواکه التی تقدّم لأهل الجنّة باحترام وتجلیل، لنتطرّق إلى أماکنهم فی الجنّة، حیث إنّ القرآن الکریم یقول: إنّ أماکنهم فی حدائق خضراء مملوءة بنعم الجنّة (فی جنّات النعیم ).

فأی نعمة یتمنّونها موجودة هناک، وکلّ ما یطلبون یجدونه أمامهم.

وأشارت الآیات إلى النعمة الرابعة، وهی إستئناس أهل الجنّة بمجالس السَّمر التی یعقدونها مع أصدقائهم فی جوّ ملؤه الصفاء، إذ یجلسون على سرر متقابلة وینظر کلّ منهم إلى الآخر (على سرر متقابلین ).

یتذاکرون فی کلّ شیء، فمرّة تراهم یتحدّثون عن ماضیهم فی الدنیا، واُخرى عن النعم العظیمة التی أغدقها علیهم الباری عزّوجلّ فی الآخرة، وأحیاناً یستعرضون صفات الجمال والجلال عند الله، وفی أوقات یتحدّثون عن مقام الأولیاء وکراماتهم، ویتذاکرون قضایا اُخرى قد لا ندرکها نحن المسجونون فی هذه الدنیا.

«سرر» هی جمع (سریر) وهی الأسرّة التی یجلس علیها الناس فی مجالس سمرهم، کما أنّ لهذه الکلمة معان أوسع، حتى أنّها تطلق أحیاناً على تابوت المیّت، ویحتمل أن یکون إطلاق هذه التسمیة على تابوت المیّت برجاء أن یکون التابوت مرکب بهجة یسیر به إلى الرحمة الإلهیّة وجنّة الخلد.

أمّا القسم الخامس فیتحدّث عن نعمة اُخرى من النعم التی تغدق على أهل الجنّة، إذ تطرّق إلى الشراب الطهور الذی یطاف به علیهم بکؤوس مملوءة بأنواع الخمور الطاهرة، ومتى ما أرادوا فإنّهم یسقون من ذلک الخمر لیغرقوا فی عالم من النشاط والروحیة (یطاف علیهم بکأس من معین ).

وهذه الکؤوس لیست فی مکان معیّن یذهبون إلیها لأخذها، وإنّما یطاف بها علیهم (یطاف علیهم ).

کلمة «کأس» یطلقها أهل اللغة على إناء الشراب المملوء، فیما یطلقون کلمة (قدح) علیه إن کان خالیاً، وقال الراغب فی مفرداته: الکأس الإناء بما فیه من الشراب.

أمّا کلمة «معین» مشتقّة من (معن) على وزن (صحن) وتعنی الجاری، إشارة إلى أنّ هناک عیوناً جاریة من الخمر الطاهر، تملأ منها ـ فی کلّ لحظة ـ الکؤوس، ومن ثمّ یطاف بها على أهل الجنّة، وهذه العیون الجاریة من الخمر الطاهر لا تنضب  ولا تفسد، إضافةً إلى أنّ الحصول علیها لا یحتاج إلى أی مشقّة أو تعب.

ثمّ ینتقل الحدیث إلى وصف کؤوس الشراب، إذ یقول: إنّها بیضاء اللون ومتلألئة وتعطی لذّة للشاربین بها (بیضاء لذّة للشاربین ).

وکلمة (بیضاء) إعتبرها بعض المفسّرین صفة لکؤوس الشراب، فیما إعتبرها البعض الآخر صفة للشراب الطهور، ویعنی أنّ ذلک الشراب لیس کالأشربة الملوّنة فی الدنیا، بل إنّها أشربة طاهرة، خالیة من الألوان الشیطانیة، وبیضاء اللون شفّافة.

وبالطبع فإنّ المعنى الثانی أنسب لجملة (لذّة للشاربین ).

الآیة السابقة التی تطرّقت إلى الشراب والکؤوس ربّما تجلب إلى الأذهان مفاهیم اُخرى، أمّا الآیة التی تلیها فتطرد فی جملة قصیرة کافّة تلک المفاهیم عن الأذهان (لا فیها غول ولا هم عنها ینزفون ).

أی أنّ ذلک الخمر هو شراب طاهر لا یفسد العقل، ولا یؤدّی إلى السکر والغفلة، وإنّما یؤدّی إلى الیقظة والنشاط وفیه متعة للروح.

وکلمة «غول» على وزن (قول) تعنی الفساد الذی ینفذ إلى الشیء بصورة غیر محسوسة، ولهذا یقال فی الأدب العربی لعملیات القتل التی تتمّ بصورة سریّة أو خفیة بأنّه (قتل غیلة).

وکلمة (ینزفون) من مادّة (نزف) على وزن (حذف) وتعنی فقدان الشیء تدریجیّاً، وعندما تستخدم هذه الکلمة بشأن آبار المیاه، فإنّها تعطی معنى استخراج الماء من البئر تدریجیّاً حتى ینضب، ویقال «نزیف الدم» وهو خروج الدم من الجسد تدریجیّاً حتى ینتهی تماماً.

على أیّة حال، فإنّ المقصود فی هذه الآیة ذهاب العقل تدریجیّاً والوصول إلى حالة

السکرة، أمّا خمر الجنّة الطاهر فإنّه لا یسکر على الإطلاق، إذ لا یذهب بالعقل ولا یسبّب أی مضارّ.

هاتان العبارتان تتطرّقان فی آن واحد ـ بصورة ضمنیة ودقیقة ـ إلى الشراب فی عالم الدنیا والذی ینفذ إلى حیاة الإنسان بصورة تدریجیة وسریة، ویوجد عنده حالات الفساد والضیاع، حیث إنّها لا تؤدّی بعقل الإنسان وأعصابه إلى الدمار فحسب، بل إنّ تأثیرها السلبی والذی لا یمکن إنکاره یمتدّ إلى جمیع أعضاء جسم الإنسان، إلى القلب وحتى الشرایین، وإلى المعدة والکلیة والکبد، وأحیاناً تودی بحیاة الإنسان وکأنّها تقتله غیلة، وکذلک تأثیرها على عقل وذکاء الإنسان یشبه عملیة سحب ماء البئر تدریجیّاً حتى یجفّ.

ولکن الشراب الطهور الإلهی فی یوم القیامة لا یحمل هذه الصفات (1) .

أمّا القسم السادس، فإنّه یشیر إلى الحور العین فی جنّات النعیم (وعندهم قاصرات الطرف عین )، أی نرزقهم زوجات لا یعشقن سوى أزواجهن ویقصرن طرفهن علیهم فقط، ولهذه الزوجات أعیناً واسعة وجمیلة.

«طرف» فی الأصل تعنی جفن العین، وهذه الکلمة کنایة عن النظر، إذ إنّ أجفان العین تتحرّک عندما ینظر الإنسان إلى شیء ما، إذن فإنّ عبارة (قاصرات الطرف ) تعنی النساء اللواتی ینظرن نظرة قصیرة، کما أنّ هناک تفسیرات متعدّدة وردت بهذا الشأن یمکن درجها کالتالی:

الأوّل: هو أنّهن ینظرن إلى أزواجهنّ فقط، ولا تمتد أبصارهنّ إلى سواهم.

والثانی: هذا التعبیر کنایة عن کونهنّ لا یعشقن إلاّ أزواجهنّ، وقلوبهم متیّمة بمحبّتهم، ولا توجد محبّة اُخرى فی قلوبهنّ، وهذا هو أکبر إمتیاز للمرأة التی تحبّ زوجها وتتأمّل به.

والتّفسیر الثالث: هو أنّ لهنّ أعین سکرى، هذه الحالة الخاصّة التی طالما وصف فیها الشعراء جمال العین فی قصائدهم (2) .

وبالطبع فإنّ المعنى الأوّل والثانی یبدوان أنسب، مع أنّه لا مانع من الجمع بین المعانی.

کلمة «عِین» على وزن (سین) وجمعها (عیناء) وتعنی المرأة ذات العین الواسعة.

وأخیراً، فإنّ آخر آیة فی بحثنا هذا تعطینا وصفاً آخر لزوجات الجنّة، إذ توضّح طهارتهنّ وقداستهن من خلال هذه العبارة (کأنّهنّ بیض مکنون ) أی إنّهن نظیفات وظریفات، وذوات أجسام بیضاء صافیة کالبیض الذی أحاط به الریش فی العشّ فلم تمسّه الأیدی ولم یصبه الغبار.

«بیض» جمع بیضة.

«مکنون» مشتقّة من (کن) على وزن (جنّ) وتعنی المستور بالإدّخار.

هذا التشبیه القرآنی یتّضح بصورة جیّدة إذا نظر الإنسان إلى البیضة فی اللحظة التی تنفصل فیها عن الدجاجة، ولم تمسّها بعد ید الإنسان لتستقرّ تحت جناح الدجاجة وریشها، إذ تبدو علیها شفافیة وصفاء عجیبان.

وبعض المفسّرین یرى بأنّ کلمة (مکنون) تعنی المحتویات الداخلیة للبیضة المختفیة تحت القشرة، وفی الواقع فإنّ التشبیه المذکور یشیر إلى بیضة مطبوخة قد اُزیلت قشرتها الخارجیة لتوّها، وقد بدا علیها البیاض اللامع والنعومة واللطافة.

الملاحظ أنّ عبارات القرآن المجید الخاصّة بتوضیح الحقائق، عمیقة ومفعمة بالمعانی، فعبارة قصیرة ولطیفة واحدة توضّح حقائق کثیرة وباُسلوب لطیف.


1. الضمیران «فیها» و «عنها» یعودان على «الخمر» التی لم ترد بصورة مباشرة فی الجملة، لکن ذلک یتّضح من سیاق الکلام، وکما هو معروف فإنّ الخمرة هی مؤنث مجازی و(عن) فی (عنها) إنّما هی لبیان العلّة، وتعنی أنّ هذه الخمرة لا تسکر هؤلاء ولا تفقد عقلهم وشعورهم، ویجب الإلتفات إلى أنّ للخمر معنیان مشترکان، إذ هی أحیاناً تطلق على شراب یثیر الفساد ویذهب بالعقل ( إنّما الخمر والمیسر... ) المادة، 90، وأحیاناً تطلق على الشراب الطاهر الذی یعطى لعباد الله المخلصین فی جنان الخلد ( وأنهار من خمر لذّة للشاربین ) محمد، 15.
2. تفسیر روح المعانی، ج 33، ص 81.
سورة الصافات / الآیة 41 ـ 49 نظرة عامّة على ما جاء فی الآیات السابقة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma