«الدوران» لغةً یطلق على الحرکة المغزلیة، فی حال أنّ «الجریان» یطلق على الحرکة الطولیة، والملفت للنظر أنّ الآیات أعلاه، نسبت الحرکتین إلى الشمس، فقالت: (والشمس تجری )... و (کلّ فی فلک یسبحون ).
کانت المحافل العلمیة أیّام نزول الآیة متمسّکة بنظریة «بطلیموس» التی کانت تقول بأنّ الأجرام السماویة لیس فیها حرکة دورانیة، بل إنّ باطن الأفلاک التی تتکوّن من أجسام بلّوریة متراکمة على بعضها البعض کتراکم طبقات البصلة وثابتة، وحرکتها تتبع حرکة أفلاکها، وعلیه فلم یکن فی تلک الأیّام معنى لا لجریان الشمس اطلاقاً.
أمّا بعد أن تداعت الاُسس التی تقوم علیها فرضیة بطلیموس فی ضوء الإکتشافات الجدیدة فی القرون الأخیرة، وتحرّرت الأجرام السماویة من قید الأفلاک البلوریة، فقد قویت نظریة کون الشمس هی مرکز المنظومة الشمسیة، وهی ثابتة وجمیع المنظومة الشمسیة تدور حولها.
هنا أیضاً لم تکن تعبیرات الآیات أعلاه مفهومة فیما یتعلّق بحرکة الشمس الطولیة والدورانیة حتى أثبت العلم بتطوّره عدّة حرکات للشمس فی العقود الأخیرة. وهی:
حرکة الشمس الموضعیة حول نفسها.
حرکة الشمس الطولیة مع المنظومة الشمسیة باتّجاه نقطة محدّدة فی السماء.
وحرکتها الدورانیة مع المجرّة التی تتبعها وبذا ثبتت معجزة علمیة اُخرى للقرآن.
ولتوضیح هذه المسألة نورد ما ورد فی إحدى دوائر المعارف حول حرکة الشمس:
للشمس حرکة ظاهریة واُخرى واقعیة، وتشترک الشمس فی الحرکة الظاهریة ـ الیومیة ـ فهی تشرق من مشرق نصف الکرة الأرضی الذی نعیش فیه، وتمرّ فی طرف الجنوب من
نصف النهار ثمّ تغرب من المغرب، وعبورها من نصف النهار یشخّص الظهر الحقیقی ـ الزوالـ .
وللشمس أیضاً حرکة ظاهریة اُخرى ـ سنویة ـ حول الأرض بحیث إنّها تقترب من المشرق درجة واحدة کلّ یوم، وفی هذه الحرکة تمرّ الشمس مقابل الأبراج مرّة واحدة کلّ عام، ومدار هذه الحرکة یقع على صفحة «دائرة البروج» ولهذه الحرکة أهمیّة عظمى فی علم الفلک، فظاهرة «الإعتدالین» و«الإنقلاب» و«المیل الکلّی» کلّها مرتبطة بهذا العلم، وعلى أساس ذلک یحسب العام الشمسی.
علاوةً على هذه الحرکات الظاهریة فإنّ للشمس حرکة دورانیة فی المجرّة، فالشمس تنطلق بسرعة دورانیة فی الفضاء تعادل ملیون ومائة وثلاثین ألف کیلومتر فی الساعة!! وفی داخل المجرّة فهی لیست ثابتة أیضاً، بل إنّها أیضاً تدور بسرعة تقارب إثنین وسبعین ألف کیلومتر فی الساعة ضمن المجموعة النجمیة المسمّاة «الجاثی على رکبتیه» (1) .
وعدم علمنا بتلک الحرکة السریعة للشمس هو بُعد الأجرام السماویة، والذی هو المانع من تشخیص تلک الحرکة الموضعیة أیضاً.
دورة الحرکة الوضعیة للشمس على محورها تستغرق حدود الخمسة وعشرین یوماً بلیالیه (2) .
1. «الجاثی على رکبتیه»: مجموعة من النجوم التی تتشاکل فیما بینها لترسم صورة شخص جاث على رکبتیه، ومنه اُخذت التسمیة.
2. أی أنّ الشمس فی کلّ خمس وعشرین یوماً من أیّامنا تدور دورة واحدة حول نفسها، وقد شُخصت هذه المسألة من مراقبة العلماء للبقع الموجودة على سطح الشمس، فقد لوحظ أنّها تتبادل مواقعها ثمّ تعود کما کانت خلال هذه المدّة.
