السماوات والأرض بید القدرة الإلهیّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة فاطر / الآیة 39 ـ 41 الصغیر والکبیر سیّان أمام قدرة الله!

تنتقل الآیات إلى مرحلة اُخرى من تشخیص عوامل ضعف وبطلان مناهج الکفّار والمشرکین فی التعامل أو التفکیر لتکمل البحوث التی مرّت فی الآیات السابقة، فتقول أوّلا: (هو الذی جعلکم خلائف فی الأرض ).

«خلائف» هنا سواء کانت بمعنى خلفاء وممثّلی الله فی الأرض، أم بمعنى خلفاء الأقوام السابقین (وإن کان المعنى الثانی هنا أقرب على ما یبدو) فهی دلیل على منتهى اللطف الإلهی على البشر حیث إنّه قیّض لهم جمیع إمکانات الحیاة، أعطاهم العقل والشعور والإدراک، أعطاهم أنواع الطاقات الجسدیة، ملأ للإنسان صفحة الأرض بمختلف أنواع النعم والبرکات، وعلّمه طریقة الاستفادة من تلک الإمکانات، فکیف نسی الإنسان والحال هذه ولی نعمته الأصلی، وراح یعبد آلهة خرافیة ومصنوعة؟!

هذه الجملة فی الحقیقة بیان لـ «توحید الربوبیة» الذی هو دلیل على «توحید العبادة». وهذه الجملة أیضاً تنبیه للبشر جمیعاً لیعلموا بأنّ مکثهم لیس أبدیّاً  ولا خالداً، فکما أنّهم

خلائف لأقوام آخرین، فما هی إلاّ مدّة حتى ینتهی دورهم ویکون غیرهم خلائف لهم، لذا فإنّ علیهم أن یتأمّلوا ویفکّروا ماذا یعملون خلال هذه المدّة القصیرة، وکیف سیذکرهم التاریخ فی هذا العالم؟

لذا تردف الآیة قائلة: (فمن کفر فعلیه کفره ولا یزید الکافرین کفرهم عند ربّهم إلاّ مقتاً ولا یزید الکافرین کفرهم إلاّ خساراً ).

الجملتان الأخیرتان فی الواقع تفسیر للجملة (من کفر فعلیه کفره ) فهما تقیمان دلیلین على رجوع نتیجة الکفر على الکافر کالآتی:

الأوّل: إنّ هذا الکفر یؤدّی إلى غضب الله الذی أعطى کلّ هذه المواهب.

والثانی: أنّه علاوة على هذا الغضب الإلهی فإنّ هذا الکفر سوف لن یزید الظالمین إلاّ خسارة وضرراً بإتلافهم رأس مالهم المتمثّل بأعمارهم ووجودهم، وشرائهم للشقاء والإنحطاط والظلمة، وأی خسارة أکبر من هذه؟!

وکلّ واحد من هذین الدلیلین کاف لشجب وإبطال ذلک المنهج الباطل فی التعامل مع الحیاة.

تکرار (لا یزید ) بصیغة المضارع، إشارة إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ الإنسان المیّال بالطبع إلى البحث عن الزیادة، إذا سار فی طریق التوحید فسیزداد سعادة وکمالا، وإذا سلک طریق الکفر فسوف یتعرّض لمزید من غضب الباری عزّوجلّ ویکون نصیبه الضرر والخسارة.

من الجدیر بالذکر أیضاً أنّ الغضب الإلهی لیس بمعنى الغضب الذی یحصل للإنسان، لأنّ هذا الغضب فی الإنسان عبارة عن نوع من الهیجان والإنفعال الداخلی الذی یکون سبباً فی صدور أفعال قویّة وحادّة وخشنة، وفی تعبئة کافّة طاقات الإنسان للدفاع أو الإنتقام، وأمّا بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى فلیس لأیّ من هذه الآثار التی هی من خواص الموجودات المتغیّرة والممکنة أثر فی غضبه، فغضبه بمعنى رفع الرحمة ومنع اللطف الإلهی من شمول اُولئک الذین ارتکبوا السیّئات.

الآیة التالیة ترد على المشرکین بجواب قاطع حازم، وتذکّرهم بأنّ الإنسان إذا اتّبع أمراً أو تعلّق بأمر، فیجب أن یکون هناک دلیل عقلی على هذا الأمر، أو دلیل نقلی ثابت، وأنتم أیّها الکفّار حیث لا تملکون أیّاً من الدلیلین فلیس لدیکم سوى المکر والغرور.

تقول الآیة الکریمة: (قل أرأیتم شرکاءکم الذین تدعون من دون الله أرونی ماذا خلقوا من

الأرض أم لهم شرک فی السموات ) (1) فهل خلقوا شیئاً فی الأرض، أم شارکوا الله فی خلق السماوات؟!

ومع هذا الحال فما هو سبب عبادتکم لها، لأنّ کون الشیء معبوداً فرع کونه خالقاً، فما دمتم تعلمون أنّ خالق السماوات والأرض هو الله تعالى وحده، فلن یکون هناک معبود غیره، لأنّ توحید الخالقیة دلیل على توحید العبودیة.

والآن بعد أن ثبت أنّکم لا تملکون دلیلا عقلیاً على ادّعائکم، فهل لدیکم دلیل نقلی؟ (أم آتیناهم کتاباً فهم على بیّنة منه ).

کلاّ، فلیس لدیهم أىّ دلیل أو بیّنة أو برهان واضح من الکتب الإلهیّة، إذاً فلیس لدیهم سوى المکر والخدیعة (بل إن یعد الظالمون بعضهم بعضاً إلاّ غروراً ).

وبتعبیر آخر، إذا کان لعبدة الأوثان وسائر المشرکین من کلّ مجموعة وکلّ صنف إدّعاء بقدرة الأصنام على تلبیة مطالبهم، فعلیهم أن یعرضوا نموذجاً لخلقهم من مخلوقات الأرض، وإذا کانوا یعتقدون أنّ تلک الأصنام مظهر الملائکة والمقدّسین فی السماء ـ کما یدّعی البعض ـ فیجب أن یقیموا الدلیل على أنّهم شرکاء فی خلق السماوات .. وان کانوا یعتقدون بأنّ هؤلاء الشرکاء لیس لهم نصیب فی الخلقة، بل لهم مقام الشفاعة ـ کما یدّعی البعض ـ فیجب أن یأتوا بدلیل على إثبات ذلک الإدّعاء من الکتب السماویة.

والحال أنّهم لا یملکون أیّاً من هذه البیّنات، فهم مخادعون ظالمون لیس لهم سوى المکر وخدیعة بعضهم البعض.

الجدیر بالملاحظة أیضاً أنّ المقصود بـ «الأرض والسموات» هنا هو مجموعة المخلوقات الأرضیة والسماویة، والتعبیر بـ (ماذا خلقوا من الأرض ) و (شرک فی السموات ) إشارة إلى أنّ المشارکة فی السماوات إنّما یجب أن تکون عن طریق الخلق.

وتنکیر «کتاباً»، مع إستناده إلى الله سبحانه، إشارة إلى أنّه لیس هنا أدنى دلیل على ادّعائهم فی أىّ من الکتب السماویة.

«بیّنة» إشارة إلى دلیل واضح من تلک الکتب السماویة.

«ظالمون» تأکید مرّة اُخرى على أنّ «الشرک» ظلم واضح.

«غرور» إشارة إلى أنّ عبدة الأوثان أخذوا هذه الخرافات بعضهم من بعض، وتلاقفوها إمّا على شکل شائعات، أو تقالید من بعضهم الآخر.

وتنتقل الآیة التی بعدها إلى الحدیث عن حاکمیة الله سبحانه وتعالى على مجموعة السماوات والأرض، وفی الحقیقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحید الخالقیة والربوبیة بعد نفی اشتراک المعبودات الوهمیة فی عالم الوجود فتقول: (إنّ الله یمسک السموات والأرض أن تزولا ) (2) .

فلیس بدء الخلق ـ فقط ـ مرتبطاً بالله، فإنّ حفظ وتدبیر الخلق مرتبط بقدرته أیضاً، بل إنّ المخلوقات فی کلّ لحظة لها خلق جدید، وفیض الوجود یغمر الخلق لحظة بعد اُخرى من مبدأ الفیض. ولو قطعت الرابطة بین الخلق وبین ذلک المبدأ العظیم الفیّاض، فلیس إلاّ العدم والفناء.

صحیح أنّ الآیة تؤکّد على مسألة حفظ نظام الوجود الموزون، ولکن ـ کما ثبت فی الأبحاث الفلسفیّة ـ فإنّ الممکنات محتاجة فی بقائها إلى موجدها کاحتیاجها إلیه فی بدء إیجادها، وبذلک فإنّ حفظ النظام لیس سوى إدامة الخلق الجدید والفیض الإلهی.

الملفت للنظر أنّ الأجرام والکرات السماویة، مع کونها غیر مقیّدة بشیء آخر، إلاّ أنّها لم تبرح أماکنها أو مداراتها التی حدّدت لها منذ ملایین السنین، دون أن تنحرف عن ذلک قید أنملة، کما نلاحظ ذلک فی المجموعة الشمسیة، فالأرض التی نعیش علیها تواصل دورانها حول الشمس منذ ملایین بل ملیارات السنین فی مسیرها المحدّد والمحسوب بدقّة والذی یتحقّق من التوازن بین القوى الدافعة والجاذبة، کما أنّها تدور فی نفس الوقت حول نفسها، ذلک بأمر الله.

وللتأکید تضیف الآیة قائلة: (ولئن زالتا إن أمسکهما من أحد من بعده ).

فلا الأصنام التی صنعتموها ولا الملائکة، ولا غیر ذلک، لا أحد غیر الله قادر على ذلک.

وفی ختام الآیة ـ لکی یبقى طریق الأوبة والإنابة أمام المشرکین الضالّین مفتوحاً ـ یقول تعالى محبّذاً لهم التوبة فی کلّ مرحلة من الطریق (إنّه کان حلیماً غفوراً ).

فبمقتضى (حلمه) لا یتعجّل عقابهم، وبمقتضى (غفرانه) یتقبّل توبتهم ـ بشرائطها ـ فی أی مرحلة من مراحل مسیرهم، وعلیه فإنّ ذیل الآیة یشیر إلى وضع المشرکین وشمول الرحمة الإلهیّة لهم فی حال توبتهم وإنابتهم.

اعتبر بعض المفسّرین أنّ هذین الوصفین ذکرا لإرتباطهما بموضوع حفظ السموات والأرض، إذ إنّ زوالهما مصیبة عظیمة، وبمقتضى حلم الله وغفرانه فإنّه لا یشمل الناس بمثل ذلک العذاب وتلک المصیبة، وإن کانت أقوال وأعمال الکثیر من هؤلاء الکفّار موجبة لإنزال ذلک العذاب، کما ورد فی الآیات 88 إلى 90 من سورة مریم (وقالوا اتّخذ الله ولداً * لقد جئتم شیئاً إدّاً * تکاد السموات یتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً ).

والجدیر بالملاحظة أیضاً أنّ جملة (ولئن زالتا ) لیست بمعنى أنّه «إذا زالت فلیس أحد غیر الله یحفظها»، بل بمعنى «أنّها إذا شارفت على السقوط والزوال فإنّ الله وحده یستطیع حفظها، وإلاّ فلا معنى للحفظ بعد الزوال».

وقد حدث ـ على طول التاریخ البشری ـ مراراً أنّ علماء الفلک توقّعوا أنّ «النجم الفلانی» المذنّب أو غیر المذنّب سیمرّ بمحاذاة الکرة الأرضیة ویحتمل أن یصطدم بها، هذه التوقّعات تدفع جمیع الناس إلى القلق، وفی هذه الشرائط یحسّ الجمیع بأنّه فی مثل حادث کهذا، لیس فی إمکان أحد أن یؤثّر شیئاً، بحیث لو إنطلقت إحدى الکرات السماویة باتّجاه الکرة الأرضیة وإصطدمتا فیما بینهما بتأثیر الجاذبیة فلن یبقى للتمدّن البشری أثر، وحتى الموجودات الاُخرى سوف لن یبقى لها أثر على سطح الأرض، ولن تستطیع أیّة قدرة عدا قدرة الله منع مثل هذه الکارثة من الوقوع.

فی مثل تلک الحالات یحسّ الجمیع بالحاجة الماسّة والمطلقة إلى الله سبحانه وتعالى، ولکن بمجرّد أن تزول احتمالات الخطر، یلقی النسیان بظلاله على الإنسان.

هذه الکارثة لا تقع فقط من مجرّد إصطدام السیارات مع بعضها، بل إنّ أیّ انحراف بسیط لأیّ من السیارات ـ کالأرض مثلا ـ عن مسارها یؤدّی إلى وقوع فاجعة عظیمة.


1. جملة ( أرأیتم ) بمعنى: ألا ترون؟ أو: ألا تفکّرون؟ ولکن بعض المفسّرین یقولون بأنّها بمعنى «أخبرونی». وقد أوردنا بحثاً مطوّلا بهذا الخصوص فی تفسیر آیة 40 من سورة الأنعام.
2. جملة «أن تزولا» تقدیرها «لئلاّ تزولا» أو «کراهة أن تزولا».
سورة فاطر / الآیة 39 ـ 41 الصغیر والکبیر سیّان أمام قدرة الله!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma