الکثیر من الأنبیاء هاجروا خلال فترة حیاتهم من أجل أداء رسالتهم، ومنهم إبراهیم الذی إستعرضت آیات مختلفة فی القرآن المجید قضیّة هجرته، ومنها ما جاء فی سورة العنکبوت الآیة 26 (وقال إنّی مهاجر إلى ربّی إنّه هو العزیز الحکیم ).
فی الحقیقة، إنّ أولیاء الله عندما کانوا یتمّون مهام رسالتهم فی إحدى المناطق، أو أنّهم کانوا یحسّون بأنّ المجتمع لا یتقبّل رسالتهم، کانوا یهاجرون کی لا تتوقّف رسالتهم.
وهذه الهجرة کانت مصدر برکات کثیرة على طول تاریخ الأدیان، حتى أنّ تاریخ الإسلام من الناحیتین الظاهریة والمعنویة یدور حول محور هجرة الرّسول (صلى الله علیه وآله)، ولولا الهجرة لکان الإسلام قد غرق ـ وإلى الأبد ـ فی مستنقع عبدة الأصنام فی مکّة. فالهجرة هی التی أعطت روحاً جدیدة للإسلام والمسلمین، وغیّرت کلّ شیء لصالحهم، وخطت للبشریة طریقاً جدیداً للسیر علیه.
وبعبارة واحدة: فالهجرة برنامج عام لکلّ مؤمن عندما یشعر فی وقت من الأوقات أنّ الجو الذی یعیش فیه غیر متناسب مع أهدافه المقدّسة، ویبدو کأنّه مستنقع عفن یفسد کلّ ما فیه، فتکلیفه الهجرة، وعلیه أن یحزم حقائب السفر، وینتقل إلى مناطق أفضل، فأرض الله واسعة.
والهجرة قبل أن تکون ذات طابع ذاتی خارجی، فهی ذات طابع ذاتی داخلی، ففی بدایة الأمر یجب على القلب والروح هجر الفساد إلى الطهارة، وهجر الشرک إلى الإیمان، وهجر المعاصی إلى طاعة الله العظیم.
فالهجرة الداخلیة هی بدایة تغیّر الفرد والمجتمع، ومقدّمة للهجرة الخارجیة، وقد بحث هذا الموضوع بصورة مفصّلة فی هذا التّفسیر وفی موضوع یتحدّث عن الإسلام والهجرة، وذلک بعد الآیة 100 فی سورة النساء.