الورثة الحقیقیّون لمیراث الأنبیاء:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة فاطر / الآیة 31 ـ 32 من هم حرّاس الکتاب الإلهی؟

بعد أن کان الحدیث فی الآیات السابقة عن المؤمنین المخلصین الذین یتلون الکتاب الإلهی ویطبّقون وصایاه، تتحدّث هذه الآیات عن ذلک الکتاب السماوی وأدلّة حقّانیّته، وکذلک عن الحملة الحقیقیین لذلک الکتاب، وبذا یستکمل الحدیث الذی إفتتحته الآیات السابقة حول التوحید، بالبحث الذی تثیره هذه الآیات حول النبوّة.

تقول الآیة الکریمة: (والذی أوحینا إلیک من الکتاب هو الحقّ ).

مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ (الحقّ) یعنی کلّ ما ینطبق مع الواقع وینسجم معه، فإنّ هذا التعبیر دلیل على إثبات أنّ هذا الکتاب السماوی نازل من الله تعالى، لأنّنا کلّما دقّقنا النظر فی هذا الکتاب السماوی وجدناه أکثر إنسجاماً مع الواقع.

فلیس فیه تناقض، أو کذب أو خرافة، فمبادئه ومعارفه تنسجم مع منطق العقل، قصصه وتواریخه منزّهة عن الأساطیر والخرافات، وقوانینه تتساوق مع إحتیاجات البشر، فتلک الحقّانیة دلیل واضح على أنّه نازل من الله سبحانه وتعالى.

هنا ولأجل توضیح موقع القرآن الکریم، تمّت الاستفادة هنا من کلمة «الحقّ»، فی حال أنّه فی آیات اُخرى من القرآن الکریم ورد التعبیر عنه بـ «النور» و«البرهان» و«الفرقان» و«الذکر» و«الموعظة» و«الهدى»، وکلّ واحدة منها تشیر إلى واحدة من برکات القرآن وأبعاده، بینما کلمة (الحقّ) تشمل جمیع تلک البرکات.

یقول الراغب فی (مفرداته): أصل الحقّ المطابقة والموافقة، والحقّ یقال على أوجه:

الأوّل: یقال لمن یوجد الشیء على أساس الحکمة، ولهذا قیل فی الله تعالى هو الحقّ، وقال الله: (فذلکم الله ربّکم الحقّ ). (1)

الثّانی: یقال للشیء الذی وُجد بحسب مقتضى الحکمة، ولهذا یقال فِعلُ الله تعالى کلّه حقّ، قال تعالى: (ما خلق الله ذلک إلاّ بالحقّ )، (2) أی الشمس والقمر وغیر ذلک.

الثّالث: فی العقائد المطابقة للواقع، قال تعالى: (فهدى الله الذین آمنوا لما اختلفوا فیه من الحقّ ). (3)

والرّابع: یقال للأقوال والأفعال الصادرة وفقاً لما یجب، وبقدر ما یجب، وفی الوقت المقرّر، کقولنا: فعلک حقّ، وقولک حقّ. (4)

وبناءً علیه، فإنّ حقّانیة القرآن المجید هی من حیث کونه حدیثاً مطابقاً للمصالح والواقعیات من جهة، کما أنّ العقائد والمعارف الموجودة فیه تنسجم مع الواقع من جهة اُخرى، ومن جهة ثالثة فإنّه من نسج الله وصنعه الذی صنعه على أساس الحکمة، والله ذاته تعالى الذی هو الحقّ یتجلّى فی ذلک الکتاب العظیم، والعقل یصدّق ویؤمن بما هو حقّ.

جملة (مصدّقاً لما بین یدیه ) دلیل آخر على صدق هذا الکتاب السماوی، لأنّه ینسجم مع الدلائل المذکورة فی الکتب السماویة السابقة فی إشارتها إلیه وإلى حامله (صلى الله علیه وآله). (5)

جملة (إنّ الله بعباده لخبیر بصیر ) توضّح علّة حقّانیة القرآن وإنسجامه مع الواقع والحاجات البشریة، لأنّه نازل من الله سبحانه وتعالى الذی یعرف عباده خیر معرفة، وهو البصیر الخبیر فیما یتعلّق بحاجاتهم.

لکن ما هو الفرق بین «الخبیر» و«البصیر»؟

قال البعض: «الخبیر» العالم بالبواطن والعقائد والنیّات والبُعد الروحی فی الإنسان، و«البصیر» العالم بالظواهر والبعد الجسمانی للإنسان. (6)

وقال آخرون: «الخبیر» إشارة إلى أصل خلق الإنسان، و«البصیر» إشارة إلى أعماله وأفعاله. (7)

وطبیعی أنّ التّفسیر الأوّل یبدو أنسب وإن کان شمول الآیة لکلا المعنیین لیس مستبعداً.

الآیة التّالیة تتحدّث فی موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الکتاب السماوی العظیم، اُولئک الذین رفعوا مشعل القرآن الکریم بعد نزوله على الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله)، فی زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور، وهم یحفظونه ویحرسونه، فتقول: (ثمّ أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا ).

واضح أنّ المقصود من «الکتاب» هنا، هو نفس ما ذکر فی الآیة السابقة وهو «القرآن الکریم» والألف واللام فیه «للعهد». والقول بأنّ المراد هو الإشارة للکتب السماویة، وأنّ اللام هنا «للجنس» یبدو بعید الإحتمال، ولیس فیه تناسب مع ما ورد فی الآیات السابقة.

التعبیر بـ «الإرث» هنا وفی موارد اُخرى مشابهة فی القرآن الکریم، لأجل أنّ «الإرث» یطلق على ما یستحصل بلا مشقّة أو جهد، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الکتاب السماوی العظیم للمسلمین هکذا بلا مشقّة أو جهد.

لقد وردت روایات کثیرة هنا من أهل البیت (علیهم السلام) فی تفسیر عبارة (الذین اصطفینا )بالأئمّة المعصومین (علیهم السلام) (8) .

هذه الروایات ـ کما ذکرنا مراراً ـ ذکر لمصادیق واضحة وفی الدرجة الاُولى. ولکن لا مانع من إعتبار العلماء والمفکّرین فی الاُمّة، والصلحاء والشهداء، الذین سعوا واجتهدوا فی طریق حفظ هذا الکتاب السماوی، والمداومة على تطبیق أوامره ونواهیه، تحت عنوان (الذین اصطفینا من عبادنا ).

ثمّ تنتقل الآیة إلى تقسیم مهمّ بهذا الخصوص، فتقول: (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات بإذن الله ذلک هو الفضل الکبیر ).

ظاهر الآیة هو أنّ هذه المجامیع الثلاثة هی من بین (الذین اصطفینا ) أی: ورثة وحملة الکتاب السماوی.

وبتعبیر أوضح، إنّ الله سبحانه وتعالى قد أوکل مهمّة حفظ هذا الکتاب السماوی، بعد الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) إلى هذه الاُمّة، الاُمّة التی إصطفاها الله سبحانه، غیر أنّ فی تلک الاُمّة مجامیع مختلفة: بعضهم قصّروا فی وظیفتهم العظیمة فی حفظ هذا الکتاب والعمل بأحکامه، وفی الحقیقة ظلموا أنفسهم، وهم مصداق (ظالم لنفسه ).

ومجموعة اُخرى، أدّت وظیفتها فی الحفظ والعمل بالأحکام إلى حدّ کبیر، وإن کان عملها لا یخلو من بعض الزلاّت والتقصیرات أیضاً، وهؤلاء مصداق «مقتصد».

وأخیراً مجموعة ممتازة، أنجزت وظائفها العظیمة بأحسن وجه، وسبقوا الجمیع فی میدان الإستباق، والذین أشارت إلیهم الآیة بقولها: (سابق بالخیرات بإذن الله ).

السؤال: وهنا یمکن أن یقال بأنّ وجود المجموعة «الظالمة» ینافی أنّ هؤلاء جمیعاً مشمولون بقوله «اصطفینا»؟

الجواب: وفی الجواب نقول: إنّ هذا شبیه بما ورد بالنسبة إلى بنی إسرائیل فی الآیة 53 من سورة المؤمن: (ولقد آتینا موسى الهدى وأورثنا بنی إسرائیل الکتاب )، فی حال أنّنا نعلم أنّ بنی إسرائیل جمیعهم لم یؤدّوا وظیفتهم إزاء هذا المیراث العظیم.

أو نظیر ما ورد فی الآیة 110 من سورة آل عمران: (کنتم خیر اُمّة اُخرجت للناس ).

أو ما ورد فی الآیة 16 من سورة الجاثیة بخصوص بنی إسرائیل أیضاً (وفضّلناهم على العالمین ).

وکذلک فی الآیة 26 من سورة الحدید نقرأ: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهیم وجعلنا فی ذرّیتهما النبوّة والکتاب فمنهم مهتد وکثیر منهم فاسقون ).

وخلاصة القول: إنّ الإشارة فی أمثال هذه التعبیرات لیست للاُمّة بأجمعها فرداً فرداً، بل إلى مجموع الاُمّة، وإن احتوت على طبقات، ومجموعات مختلفة (9) .

وقد ورد فی روایات کثیرة عن أهل بیت العصمة (علیهم السلام) فی تفسیر «سابق بالخیرات» بالمعصوم (علیه السلام)، و«ظالم لنفسه» بمن لا یعرف الإمام، و«المقتصد» العارف بالإمام (10) .

هذه التّفسیرات شاهد واضح على ما إخترناه لتفسیر الآیة، وهو أنّه لا مانع من کون هذه المجامیع الثلاثة ضمن ورثة الکتاب الإلهی.

ولا نحتاج إلى التذکیر بأنّ تفسیر الروایات أعلاه هو من قبیل بیان المصادیق الأوضح للآیة، وهم الأئمّة المعصومون، إذ هم الصفّ الأوّل، بینما العلماء والمفکّرون وحماة الدین الآخرون فی صفوف اُخرى.

کذلک فإنّ التّفسیر الوارد فی تلک الروایات للظالم والمقتصد، هو أیضاً من قبیل بیان المصادیق، وإذا لاحظنا أنّ بعض الرّوایات تنفی شمول الآیة للعلماء فی مقصودها فإنّ ذلک فی الحقیقة لإلفات النظر إلى وجود الإمام فی مقدّمة تلک الصفوف.

ومن الجدیر بالذکر أنّ جمعاً من المفسّرین القدماء والمعاصرین احتملوا الکثیر من الإحتمالات فی تفسیر هذه المجامیع، والتی هی فی الحقیقة جمیعاً من قبیل بیان المصادیق (11) .

السؤال: وهنا یطرح السؤال التالی: لماذا ابتدأ الحدیث بذکر الظالمین کمجموعة اُولى، ثمّ المقتصد، ثمّ السابقین بالخیرات، فی حین أنّ العکس یبدو أولى من عدّة جهات؟

الجواب: بعض کبار المفسّرین قالوا للإجابة على هذا السؤال: إنّ الهدف هو بیان ترتیب مقامات البشر فی سلسلة التکامل، لأنّ أوّل المراحل هی مرحلة العصیان والغفلة، وبعدها مقام التوبة والإنابة، وأخیراً التوجّه والإقتراب من الله سبحانه وتعالى، فحین تصدر المعصیة من الإنسان فهو «ظالم لنفسه»، وحین یلج مقام التوبة فهو «مقتصد»، وحین تقبل توبته ویزداد جهاده فی طریق الحقّ، ینتقل إلى مقام القرب لیرقى إلى مقام «السابقین بالخیرات» (12) .

وقال آخر: بأنّ هذا الترتیب لأجل الکثرة والقلّة فی العدد والمقدار، فالظالمون یشکّلون الأکثریة، والمقتصدون فی المرتبة التالیة، والسابقون للخیرات وهم الخاصّة والأولیاء من الناس هم الأقلّیة وان کانوا أفضل من الناحیة الکیفیّة. (13)

الملفت للتأمّل ما نقل فی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّه قال: (ما مؤدّاه): «قُدّم الظالم لکی لا ییأس من رحمة الله، واُخّر السابقون بالخیرات لکی  لا یأخذهم الغرور بعملهم» (14) .

ویمکن أن یکون کلّ من هذه المعانی الثلاثة مقصوداً.

وآخر کلام فی تفسیر هذه الآیة حول المشار إلیه فی جملة (ذلک هو الفضل الکبیر

قال البعض، بأنّه میراث الکتاب الإلهی، وقال آخرون بأنّه إشارة إلى التوفیق الذی شمل حال السابقین بالخیرات، وطیّهم لهذا الطریق بإذن الله، لکن یبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب وأکثر إنسجاماً مع ظاهر الآیة.


1. یونس، 32.
2. یونس، 5.
3. البقرة، 213.
4. مفردات الراغب، مادّة حقّ. «مع تلخیص واختصار».
5. راجع هذا التفسیر، ذیل الآیة 41 من سورة البقرة.
6. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
7. تفسیر روح البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
8. راجع تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 361.
9. أمّا ما احتمله البعض من أنّ التقسیم الوارد فی الآیة یعود على «عبادنا» ولیس على ( الذین اصطفینا )، بحیث إنّ هذه المجموعات الثلاثة لا تدخل ضمن مفهوم ورثة الکتاب، بل ضمن مفهوم «عبادنا» وأما «الذین اصطفینا» فهم المجموعة الثالثة فقط أی «السابقین بالخیرات»، فیبدو بعیداً، لأنّ الظاهر هو أنّ هذه المجموعات ممّن ذکرتهم الآیة، ونعلم أنّ الحدیث فی الآیة لم یکن عن کلّ العباد، بل عن ( الذین اصطفینا )، ناهیک عن إضافة «نا» إلى «عباد» وهو نوع من التمجید والمدح، ممّا یجعل ذلک غیر منسجم مع التّفسیر المذکور.
10. راجع تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 361، وکذلک أصول الکافی، ج 1، (باب ان من إصطفاه الله من عباده).
11. ذهب بعض بأنّ السابق بالخیرات هم أعوان الرّسول (صلى الله علیه وآله) والمقتصد طبقة التابعین، والظالم لنفسه أفراداً آخرون.
والبعض الآخر فسّروا «سابق بالخیرات» بالذین یفضّل باطنهم على ظاهرهم و«المقتصد» بالذین یتساوى ظاهرهم وباطنهم، و«الظالم لنفسه» بالذین یفضّل ظاهرهم على باطنهم.
والبعض الآخر قالوا إنّ «السابقین» هم الصحابة، و«المقتصدین» هم تابعیهم، و«الظالمین» هم المنافقون.
وقال آخرون بأنّ الآیة تشیر إلى المجموعات الثلاثة الواردة فی سورة الواقعة ـ الآیات 7 إلى 11. ( وکنتم أزواجاً ثلاثة * فأصحاب المیمنة ما أصحاب المیمنة * وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * اُولئک المقرّبون).
وفی حدیث أنّ «السابق بالخیرات» هم الأئمّة علی والحسن والحسین وشهداء آل محمّد علیهم الصلاة والسلام، والمقتصد المتدیّنون المجاهدون، والظالم لنفسه الذی خلط عملا صالحاً وآخر سیئاً، وکلّ هذه التّفسیرات کما قلنا من قبیل بیان المصادیق، وکلّها قابلة للتعقّل، عدا التّفسیر الأوّل الذی لا یحتوی على مفهوم صحیح.
12. مجمع البیان، تفسیر الآیة مورد البحث.
13. تفسیر فى ظلال القرآن، ذیل الآیات مورد البحث.
14. تفسیر روح الجنان، ج 9، ذیل الآیات مورد البحث.
سورة فاطر / الآیة 31 ـ 32 من هم حرّاس الکتاب الإلهی؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma