التجارة المربحة مع الله:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة فاطر / الآیة 29 ـ 30 شروط تلک التجارة العجیبة:

بعد أن أشارت الآیات السابقة إلى مرتبة الخوف والخشیة عند العلماء، تشیر الآیات مورد البحث إلى مرتبة «الأمل والرجاء» عندهم أیضاً، إذ إنّ الإنسان بهذین الجناحین ـ فقط ـ یمکنه أن یحلّق فی سماء السعادة، ویطوی سبیل تکامله، یقول تعالى أوّلا: (إنّ الذین یتلون کتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانیة یرجون تجارةً لن تبور ) (1) .

بدیهی أنّ «التلاوة» هنا لا تعنی مجرّد القراءة السطحیة الخالیة من التفکّر والتأمّل، بل قراءة تکون سبباً وباعثاً على التفکّر، الذی یکون بدوره باعثاً على العمل الصالح، الذی یربط الإنسان بالله من جهة، ومظهر ذلک الصلاة، ویربطه بخلق الله من جهة ثانیة، ومظهر ذلک الإنفاق من کلّ ما تفضّل به الله تعالى على الإنسان، من علمه، من ماله وثروته ونفوذه، من فکره الخلاّق، من أخلاقه وتجاربه، من جمیع ما وهبه الله.

هذا الإنفاق تارةً یکون (سرّاً)، فیکون دلیلا على الإخلاص الکامل. وتارةً یکون (علانیة) فیکون تعظیماً لشعائر الله ودافعاً للآخرین على سلوک هذا الطریق.

ومع الإلتفات إلى ما ورد فی هذه الآیة والآیة السابقة نستنتج أنّ العلماء حقّاً هم الذین یتّصفون بالصفات التالیة:

* قلوبهم ملیئة بالخشیة والخوف من الله المقترن بتعظیمه تعالى.

* ألسنتهم تلهج بذکر الله وتلاوة آیاته.

* یصلّون ویعبدون الله.

* ینفقون فی السرّ والعلانیة ممّا عندهم.

* وأخیراً ومن حیث الأهداف، فإنّ اُفق تفکیرهم سام إلى درجة أنّهم أخرجوا من قلوبهم التعلّق بهذه الدنیا المادیّة الزائلة، ویتأمّلون ربحاً من تجارتهم الوافرة... الربح مع الله وحده، لأنّ الید التی تمتدّ إلیه لا تخیب أبداً.

والجدیر بالملاحظة أیضاً أنّ «تبور» من «البوار» وهو فرط الکساد، ولمّا کان فرط الکساد یؤدّی إلى الفساد کما قیل «کسد حتى فسد» عُبّر بالبوار عن الهلاک، وبذا فإنّ «التجارة الخالیة من البوار» تجارة خالیة من الکساد والفساد.

ورد فی حدیث رائع أنّه جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله) فقال: یارسول الله، ما لی لا أحبّ الموت؟ قال: «ألک مال» قال: نعم. قال: «فقدّمه» قال: لا أستطیع. قال: «فإنّ قلب الرجل مع ماله، إن قدّمه أحبّ أن یلحق به، وإن أخّره أحبّ أن یتأخّر معه» (2) .

إنّ هذا الحدیث فی الحقیقة یعکس روح الآیة أعلاه، لأنّ الآیة تقول إنّ الذین یقیمون الصلاة، وینفقون فی سبیل الله لهم أمل وتعلّق بدار الآخرة، لأنّهم أرسلوا الخیرات قبلهم ولهم المیل للحوق بها.

الآیة الأخیرة من هذه الآیات، توضّح هدف هؤلاء المؤمنین الصادقین فتقول: انّهم یعملون الخیرات والصالحات (لیوفّیهم اُجورهم ویزیدهم من فضله إنّه غفور شکور ) (3) .

هذه الجملة فی الحقیقة تشیر إلى منتهى إخلاصهم، لأنّهم لا ینظرون إلاّ إلى الأجر الإلهی، ولا یقصدون بأعمالهم وخیراتهم الریاء والتظاهر وتوقّع الثناء من هذا ومن ذاک، إذ إنّ أهمّ قضیّة فی الأعمال الصالحة هی «النیّة الخالصة».

التعبیر بـ «اُجور» فی الحقیقة لطف من الله، فکأنّ العباد یطلبون من الله مقابل أعمالهم أجراً!! فی حال أنّ کلّ ما یملکه العباد منه تعالى، حتى القدرة على إنجاز الأعمال الصالحة أیضاً هو الذی أعطاهم إیّاها.

وألطف من هذا التعبیر قوله (ویزیدهم من فضله ) الذی یبشّرهم بأنّه علاوة على الثواب الذی یکون عادةً على الأعمال والذی یکون مئات أو آلاف الأضعاف المضاعفة للعمل، فإنّه یزیدهم من فضله، ویعطیهم من سعة فضله ما لم یخطر على بال، وما لا یملک أحد فی هذه الدنیا القدرة على تصوره.

جاء فی حدیث عن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنّه قال فی قوله: (ویزیدهم من فضله ): هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممّن صنع إلیه معروفاً فی الدنیا (4) .

وبذا فإنّهم لیسوا فقط من أهل النجاة، بل إنّهم یکونون سبباً فی نجاة الآخرین بفضل الله ولطفه.

وقال بعض المفسّرین بأنّ جملة: (ویزیدهم من فضله ) إشارة إلى مقام «الشهود» الذی یکون للمؤمنین فی یوم القیامة بأن یمکّنهم الله من النظر إلى جماله وجلاله والإلتذاذ من ذلک بأعظم اللذّات، ولکن یظهر أنّ الجملة المذکورة لها معنى واسع وشامل بحیث یشمل محتوى الحدیث المذکور وعطایا ومواهب اُخرى غیر معروفة أیضاً.

جملة (إنّه غفور شکور ) تدلّل على أنّ أوّل لطف الله معهم، هو «العفو» عن ذنوبهم وزلاّتهم التی تبدر منهم أحیاناً، لأنّ أشدّ قلق المؤمن یکون من هذا الجانب.

وبعد أن یهدأ بالهم من تلک الجهة، فانّه تعالى یشملهم بـ «الشکر» أی انّه یشکر لهم أعمالهم ویعطیهم أفضل الجزاء والثواب.

نقل تفسیر «مجمع البیان» مثلا تضربه العرب وهو «أشکر من بروقة» وتزعم العرب أنّها ـ أی بروقة ـ شجرة عاریة من الورق، تغیم السماء فوقها فتخضر وتورق من غیر مطر (5) . وهو مثل یضرب للتعبیر عن منتهى الشکر، ففی قبال أقل الخدمات، یُقدّم أعظم الثواب. بدیهی أنّ خالق مثل هذه الشجرة أشکر منها وأرحم.


1. یلاحظ أنّ «یرجون» خبر «أنّ».
2. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 407، ذیل الآیات مورد البحث.
3. جملة ( لیوفّیهم ) إمّا أنّها متعلّقة بجملة «یتلون کتاب الله...» وعلیه یکون معناها «إنّ هدفهم من التلاوة والصلاة والإنفاق الحصول على الأجر الإلهی» أو أنّها متعلّقة بـ «لن تبور...» وبذا یکون معناها «إنّ تجارتهم لن یصیبها الفساد لأنّ المثیب لهم هو الله تعالى».
4. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 407، ذیل الآیات مورد البحث.
5. المصدر السابق.
سورة فاطر / الآیة 29 ـ 30 شروط تلک التجارة العجیبة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma