إستکبارهم ومکرهم سبب شقائهم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سبب النّزولسورة فاطر / الآیة 45

تواصل هذه الآیات الحدیث عن المشرکین ومصیرهم فی الدنیا والآخرة.

الآیة الاُولى تقول: (وأقسموا بالله جهد أیمانهم لئن جاءهم نذیر لیکوننّ أهدى من إحدى الاُمم ) (1) .

«أیمان» جمع «یمین» بمعنى القسم، وفی الأصل فإنّ معنى الیمین هو الید الیمنى، والیمین فی الحلف مستعار منها اعتباراً بما یفعله المعاهد والمحالف وغیره من المصافحة بالیمین عندها.

«جهد»: من «الجهاد» بمعنى السعی والمشقّة، وبذا یکون معنى (جهد أیمانهم ) حلفوا واجتهدوا فی الحلف على أن یأتوا به على أبلغ ما فی وسعهم.

نعم، فعندما طالعوا صفحات التاریخ، واطّلعوا على عدم وفاء وعدم شکر تلک الأقوام وجنایاتهم بالنسبة إلى أنبیائهم وخصوصاً الیهود، تعجّبوا کثیراً وادّعوا لأنفسهم الادّعاءات وتفاخروا على هؤلاء بأن یکون حالهم أفضل منهم.

ولکن بمجرّد أن واجهوا محکّ التجربة، ودخلوا کورة الامتحان المشتعلة، وتحقّق طلبهم ببعثة نبیّ منهم، تبیّن أنّهم من نفس تلک الطینة، حیث أشار القرآن إلى ذلک بعد الجملة الاُولى من الآیة بالقول: (فلمّا جاءهم نذیر ما زادهم إلاّ نفوراً ).

هذا التعبیر یدلّل على أنّهم کانوا قبل بعثة النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) ـ وعلى خلاف ما یدّعون ـ بعیدین عن دین الله سبحانه وتعالى، فقد کانت حنیفیة إبراهیم معروفة بینهم، إلاّ أنّهم لم یکونوا یحترمونها، کذلک لم یکن لدیهم أی اعتبار لما کان یملیه العقل من تصرفات. وبقیام النّبی (صلى الله علیه وآله) ونیله من عقائدهم وأعرافهم وعصبیتهم الجاهلیة، ووقوع مصالحهم غیر المشروعة فی الخطر، زادت الفاصلة بینهم وبین الحقّ، نعم کانوا بعیدین عن الحقّ، لکنّهم إزدادوا بعداً عن الحقّ بعد بعثة النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله).

الآیة التالیة توضیح لما فی الآیة السابقة، تقول: إنّ بُعدهم عن الحقّ لأنّهم سلکوا طریق الاستکبار فی الأرض، ولم تکن لدیهم أهلیة الخضوع لمنطق الحقّ (استکباراً فی الأرض ) (2)

وکذلک لأنّهم کانوا یحتالون ویسیئون (ومکر السیىء ) (3) .

ولکن (ولا یحیق المکر السیء إلاّ بأهله ).

جملة «لا یحیق»: الفعل (یحیق) من (حاق) بمعنى نزل وأصاب، والجملة معناها «لا ینزل ولا یصیب ولا یحیط» إشارة إلى أنّ الاحتیال قد یؤدّی ـ مؤقتاً ـ إلى الإحاطة بالآخرین، ولکنّه فی النهایة یعود على صاحبه، فهو مفضوح وضعیف وعاجز أمام خلق الله، وسیندمون حتماً أمام الله سبحانه وتعالى، وذلک هو المصیر المشؤوم الذی انتهى إلیه مشرکو مکّة.

هذه الآیة فی الحقیقة ترید القول بأنّهم لم یکتفوا فقط بالإبتعاد عن النّبی (صلى الله علیه وآله)، بل إنّهم استعانوا بکلّ قدرتهم واستطاعتهم لأجل إنزال ضربة قویّة به وبدعوته، والسبب فی کلّ ذلک لم یکن سوى الکبر والغرور وعدم الرضوخ للحقّ.

ختام الآیة تهدید لتلک المجموعة المستکبرة الماکرة والخائنة، وبجملة عمیقة المعنى وبکلمات تهزّ المشاعر، یقول تعالى: (فهل ینظرون إلاّ سنّة الأوّلین ) (4) .

هذه الجملة القصیرة تشیر إلى جمیع المصائر المشؤومة التی أحاقت بالأقوام السالفة کقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم فرعون، حیث أصاب کلا منهم بلاء عظیم، والقرآن الکریم أشار مراراً إلى جوانب من مصائر هؤلاء الأقوام المشؤومة والألیمة. وهنا وبتلک الجملة القصیرة جسّد جمیع ذلک أمام بصیرة تلک الفئة فی مکّة.

ثمّ تضیف الآیة لزیادة التأکید قائلة: (فلن تجد لسنّة الله تبدیلا ولن تجد لسنّة الله تحویلا ). فکیف یمکن لله سبحانه وتعالى أن یعاقب قوماً على أعمال معیّنة، ثمّ لا یعاقب غیرهم الذین یسلکون نفس سلوکهم؟ ألیس هو العدل الحکیم، وکلّ ما یفعله بناءً على حکمته المطلقة و عدله الشامل؟!

فإنّ تغییر السنن یمکن تصوّره بالنسبة إلى من یمتلک إطّلاعاً أو معرفة محدودة، إذ یزداد معرفة بمرور الزمان ویعرض عن سنّة سابقة، أو یکون الإنسان عالماً، إلاّ أنّه لا یتصرّف طبقاً للحکمة والعدالة، بل طبقاً لمیول خاصّة فی نفسه، ولکن الله سبحانه وتعالى منزّه عن جمیع تلک الاُمور، وسنّته حاکمة على من یأتی کما کانت تحکم من مضى، ولا تقبل التغییر أبداً.

وقد أکّد القرآن الکریم فی مواضع عدیدة على قضیّة ثبات سنن الله وعدم تغیّرها، وقد فصّلنا الحدیث فی ذلک فی تفسیر الآیة 62 من سورة الأحزاب، وبالجملة فإنّ فی هذا العالم ـ عالم التکوین والتشریع ـ ثمّة قوانین ثابتة لا تتغیّر، عبّر عنها القرآن الکریم بـ «السنن الإلهیّة» والتی لا سبیل إلى تغیّرها.

هذه القوانین کما أنّها حکمت فی الماضی فإنّها حاکمة الیوم وغداً. ومجازات المستکبرین الکفرة الذین لم تنفع بهم الموعظة الإلهیّة من هذه السنن، ومنها أیضاً نصرة أتباع الحقّ الذین لا ینثنون عن جدّهم وسعیهم المخلص، هاتان السنّتان کانتا ولا تزالان ثابتتین أمس والیوم وغد (5) .

الجدیر بالملاحظة أنّه ورد فی بعض الآیات القرآنیة الحدیث عن «عدم تبدیل» السنن الإلهیّة، الأحزاب ـ 62، وفی البعض الآخر الحدیث عن «عدم تحویل» السنن الإلهیّة، سورة الإسراء ـ 77، ولکن الآیة مورد البحث أکّدت على الحالتین معاً.

فهل أنّ هاتین الحالتین تعبیر عن معنى واحد، بحیث إنّهما ذکرتا معاً للتأکید، أم أنّ کلا منهما یشیر إلى معنى مستقل؟

بمراجعة أصل اللفظین یتّضح أنّهما إشارة إلى معنیین مختلفین: (تبدیل) الشیء، تعویضه بغیره کاملا، بحیث یرفع الأوّل ویوضع الثانی، ولکن (تحویل) الشیء، هو تغیّر بعض صفات الشیء الأوّل من ناحیة کیفیة أو کمیة مع بقائه.

وعلیه فإنّ السنن الإلهیّة لا تقبل الاستبدال ولا التعویض الکامل، ولا التغییر النسبی من حیث الشدّة والضعف أو القلّة والزیادة. من جملتها أنّ الله سبحانه وتعالى یوقع عقوبات متشابهة بالنسبة إلى الذنوب والجرائم المتشابهة ومن جمیع الجهات، لا أن یوقع العقاب على مجموعة ولا یوقعه على مجموعة اُخرى. ولا أن یوقع عقاباً أقلّ شدّة على مجموعة دون اُخرى، وهکذا قانون یستند إلى أصل ثابت، لا یقبل التبدیل ولا التحویل (6) .

آخر ما نرید التوقّف عنده هو أنّ الآیة تضیف «سنّة» إلى لفظ الجلالة «الله» وفی موضع آخر من نفس الآیة تضیف «سنّة» إلى «الأوّلین» ویظهر فی بادیء الأمر وجود تنافی بین الحالتین، ولکن الأمر لیس کذلک، لأنّه فی الحالة الاُولى اُضیفت «سنّة» إلى «الفاعل»، وفی الحالة الثانیة اُضیفت «سنّة» إلى «المفعول به». ففی الحالة الاُولى تعبیر عن مجری السنّة، وفی الثانیة عمّن اُجریت علیه السنّة.

الآیة التالیة تدعو هؤلاء المشرکین والمجرمین إلى مطالعة آثار الماضین والمصیر الذی وصلوا إلیه، حتى یروا باُمّ أعینهم فی آثارهم ومواطنهم السابقة جمیع ما سمعوه، وبذا یتحوّل البیان إلى العیان، فتقول الآیة الکریمة: (أو لم یسیروا فی الأرض فینظروا کیف کان عاقبة الذین من قبلهم ).

فإذا کانوا یتصوّرون أنّهم أشدّ قوّة من اُولئک فهم على إشتباه عظیم، لأنّ الأقوام السالفة کانت أقوى منهم: (وکانوا أشدّ منهم قوّةً ).

فالفراعنة الذین حکموا مصر، ونمرود الذی حکم بابل ودولا اُخرى بمنتهى القدرة، کانوا أقویاء إلى درجة لا یمکن قیاسها مع قوّة مشرکی مکّة.

إضافةً إلى أنّ الإنسان مهما بلغ من القوّة والقدرة، فإنّ قدرته وقوّته لا شیء إزاء قوّة الله، لماذا؟ لأنّه (وما کان الله لیعجزه من شیء فی السموات ولا فی الأرض إنّه کان علیما قدیرا ) (7) فهو العلیم القدیر، لا یخفى علیه شیء، ولا یستعصی على قدرته شیء، ولا یغلبه أحد، فلو تصوّر هؤلاء المستکبرون الماکرون أنّهم یستطیعون الفرار من ید قدرته تعالى فهم مشتبهون أشدّ الاشتباه، وإذا لم ینفضوا أیدیهم من تلک الأعمال السیّئة، فسوف یلاقون نفس المصیر الذی لقیه من کان قبلهم.

یمرّ بنا مراراً التعرّض لهذا الأمر فی القرآن الکریم، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى یدعو الکفّار والعاصین إلى «السیر فی الأرض» ومشاهدة آثار الأقوام الماضین ومصائرهم الألیمة.

ورد فی الآیة 9 من سورة الروم (أو لم یسیروا فی الأرض فینظروا کیف کان عاقبة الذین من قبلهم کانوا أشدّ منهم قوّة وأثاروا الأرض وعمّروها أکثر ممّا عمّروها وجاءتهم رسلهم بالبیّنات فما کان الله لیظلمهم ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ).

وورد شبیه هذا المعنى فی سورة یوسف، 109، والحجّ، 46، وغافر، 21 و82، والأنعام، 11 إلى غیر ذلک.

هذا التأکید المتکرّر دلیل على التأثیر الخاصّ لتلک المشاهدات فی النفس الإنسانیة، فإنّ علیهم أن یروا بأعینهم ما قرأوه فی التاریخ أو سمعوه، لیذهبوا وینظروا عروش الفراعنة المحطّمة. وقصور الأکاسرة المدمّرة، وقبور القیاصرة الموحشة، وعظام نمرود المتفسّخة، وأرض قوم لوط وثمود الخالیة، ثمّ لیستمعوا إلى نصائحهم الصامتة، وأنینهم من تحت التراب، وینظروا باُمّ أعینهم ماذا حلّ بهؤلاء.


1. لأنّ «إحدى» جاءت بصیغة المفرد، فمعنى الآیة «أنّهم سیکونون أکثر اهتداءاً من واحدة من الاُمم» وقد تکون الإشارة إلى الیهود (لأنّ صیغة المفرد فی الجملة المثبتة لیس فیها معنى العموم) یبدو ذلک للوهلة الاُولى، ولکن کما أشار بعض المفسّرین فإنّ قرائن الحال تشیر إلى أنّ المقصود من الآیة العموم، لأنّ الحدیث فی مقام المبالغة والتأکید، وتشیر إلى ادّعائهم بأنّه فی حال بعثة رسول إلیهم فانّهم سیکونون أهدى من جمیع الاُمم السابقة.
2. أغلب المفسّرین قالوا بأنّ «استکباراً» هو «مفعول لأجله» من حیث الترکیب النحوی وهی بیان لعلّة «النفور» وإبتعادهم عن الحقّ، و «مکر السیء» عطف على «إستکباراً» فی حین أنّ البعض الآخر قال: إنّها عطف على «نفوراً».
3. «مکر السییء» إضافة (الجنس) إلى (النوع)، کما هو نقول: «علم الفقه» لأنّ (مکر) بمعنى (البحث عن حلّ) سواء کان خیراً أو شرّاً، لذا فإنّ هذه الکلمة تطلق کصفة لله سبحانه ( ومکروا ومکر الله ) آل عمران ـ 54، ولکن «السیء» تحصر المکر فی نوع خاصّ منه، وهو الاحتیال.
4. «نظر» و «إنتظار» تأتی أحیاناً لتشیر إلى نفس المعنى. کما یقول الراغب.
5. لنا شرح مفصّل بهذا الخصوص فی سورتی الأحزاب، 62; والإسراء، 77.
6. جمع من المفسّرین فسّروا «تحویل» هنا بمعنى «نقل مکان العذاب» بمعنى أنّ الله سبحانه وتعالى ینقل عقوبته من شخص لینزلها على شخص آخر. ومع ملاحظة أنّ هذا التّفسیر لا ینسجم على ما یبدو مع الآیة أعلاه، فالحدیث لیس عن نقل العذاب من شخص إلى آخر، بل عن عدم قبول السنن للزیادة والنقص أو التغییر والتبدیل، فکأنّ هؤلاء المفسّرین خلطوا بین کلمتی «تحوّل» و«تحویل»، وقد ورد فی بعض متون اللغة کمجمع البحرین «التحویل: تصییر الشیء على خلاف ما کان. والتحوّل: التنقّل من موضع إلى موضع».
7. جملة «لیعجزه» کما ذکرنا سابقاً من مادّة «عجز» وهی هنا بمعنى: یجعله عاجزاً، لذا ففی کثیر من المواضع جاءت بمعنى الفرار من قدرة الله، أو بمعنى عدم التمکّن من شخص.
سبب النّزولسورة فاطر / الآیة 45
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma