حفظ السماء من تسلّل الشیاطین!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الصافات / الآیة 6 ـ 10 سورة الصافات / الآیة 11 ـ 15

الآیات السابقة تحدّثت عن طوائف الملائکة المکلّفة بتنفیذ المهام الجسام، والآیات مورد البحث تتحدّث عن الطائفة المقابلة لها، أی الشیاطین وعن مصیرهم. ویمکن أن تکون هذه الآیات مقدّمة لدحض معتقدات مجموعة من المشرکین الذین یعبدون الشیاطین والجنّ، وتتضمّن کذلک درساً فی التوحید بین طیّاتها.

تبدأ الآیة بالقول: (إنّا زیّنا السماء الدنیا بزینة الکواکب ) (1) فلو رفع أحدنا ببصره نحو السماء فی إحدى اللیالی المظلمة، لتجسّم فی بصره منظر جمیل یسحر الإنسان.

وکأنّ الکواکب تتحدّث معنا بلسانها الصامت، لتکشف لنا عن أسرار الخلق، وأحیاناً تکون شاعرة تنشد لنا أجمل القصائد الغزلیة والعرفانیة، وإغماضها وتواریها، ومن ثمّ إبراقها ولمعانها، یوضّح أسرار العلاقة الموجودة بین العاشق والمعشوق.

حقّاً إنّ منظر النجوم فی السماء رائع الجمال، ولا تملّ أیّ عین من طول النظر إلیه، بل إنّ النظر إلیه یزیل التعب والهمّ من داخل الإنسان، (ممّا یذکر أنّ أبناء المدن فی العصر الحاضر التی یغطّیها دخّان المصانع، لا یستمتعون بمشاهدة السماء وهی مرصّعة بالکواکب کما یشاهدها الإنسان القروی حیث یدرکون هذه المقولة القرآنیة ـ أی تزیین السماء بالکواکب ـ بصورة أفضل).

ومن الجدیر بالإهتمام قول الآیة: (إنّا زیّنا السماء الدنیا بزینة الکواکب ) فی حین کانت الفرضیات الشائعة فی ذلک الوقت فی أذهان العلماء والمفکّرین هی أنّ السماء العلیا هی التی تضمّ الکواکب (السماء الثامنة طبقاً لفرضیات بطلیموس).

وکما هو معروف فإنّ العلم الحدیث دحض تلک الفرضیات، وعدم اتّباع القرآن لما جاء فی تلک الفرضیات النادرة والمشهورة فی ذلک الزمان معجزة حیّة لهذا الکتاب السماوی.

والنقطة الاُخرى التی تلفت النظر هی أنّ إرتعاش نور الکواکب الجمیل وغمزها للناظر یعود ـ من وجهة نظر العلم الحدیث ـ إلى وجود القشرة الهوائیة حول الأرض، وهذا المعنى یتلاءم مع ما نصّت علیه الآیة الکریمة (السماء الدنیا ).

أمّا فی خارج جو الأرض فإنّ النجوم تبدو نقاط منیرة على وتیرة واحدة ولیس لها ذلک التلألؤ، على عکس ما یشاهد داخل جوّ الأرض.

أمّا الآیة (وحفظاً من کلّ شیطان مارد ) (2) فإنّها تشیر إلى حفظ السماء من تسلّل الشیاطین إلیها.

کلمة «مارد» مشتقّة من (مرد) التی تعنی الأرض المرتفعة الخالیة من الزرع، کما یقال للشجرة التی تساقطت أوراقها کلمة (أمرد) وتطلق على الفتى الذی لا شعر فی وجهه، وهنا المقصود من کلمة (مارد) هو الشخص الخبیث العاری من الخیر.

حفظ السماء من تسلّل الشیاطین یتمّ بواسطة نوع من أنواع النجوم یطلق علیها اسم (الشهب)، وسیشار إلیها فی الآیات القادمة.

ثمّ یضیف القرآن الکریم: إنّ الشیاطین لا تتمکّن من سماع حدیث ملائکة الملأ الأعلى ومعرفة أسرار الغیب التی عندهم، فکلّما حاولوا عمل شیء ما لسماع الحدیث، رشقوا بالشهب من کلّ جانب (لا یسّمّعون إلى الملإ الأعلى ویقذفون من کلّ جانب ).

نعم إنّهم یطردون من السماء بشدّة، وقد أعدّ لهم عذاب دائم، کما جاء فی قوله تعالى: (دحوراً ولهم عذاب واصب ).

(لا یسّمّعون ) بمعنى (لا یستمعون) ویفهم منها أنّ الشیاطین یحاولون معرفة أخبار «الملأ الأعلى» إلاّ أنّه لا یسمح لهم بذلک.

(الملأ الأعلى )، تعنی ملائکة السماوات العلى، لأنّ کلمة (ملأ) تطلق فی الأصل على الجماعة التی لها وجهة نظر واحدة، وتعدّ فی نظر الآخرین مجموعة متّحدة ومنسجمة، کما تطلق هذه الکلمة على الأشراف والأعیان والدائرین فی فلک مراکز القوى، لأنّهم یعدّون فی نظر الآخرین متّحدین أیضاً، ولکن عندما یوصف الملأ بـ (الأعلى) فذلک إشارة إلى الملائکة الکرام ذوی المقام الأرفع والأسمى.

«یقذفون» مشتقّة من (قذف) وتعنی رمی الشیء إلى مکان بعید، والمقصود هنا طرد الشیاطین بواسطة الشهب، التی سنتطرّق لها فیما بعد، وهذا یوضّح أنّ الباری عزّوجلّ لا یسمح للشیاطین بالإقتراب من الملأ الأعلى.

«دحوراً» مشتقة من (دحر) ـ على وزن (دهر) ـ وتعنی طرد الشیء ودفعه، أمّا کلمة (واصب) فإنّها تعنی المرض المزمن، وبصورة عامّة تعنی الدائم والمستمر، وفی بعض الأحیان تعنی (الخالص) (3) .

وهنا إشارة إلى أنّ الشیاطین لا یطردون ولا یمنعون من الإقتراب من السماء فحسب، بل سیصیبهم فی النهایة ـ مع ذلک ـ عذاب دائم.

وأشارت الآیة أیضاً إلى طائفة من الشیاطین الشریرة التی تحاول الصعود إلى السماء العلیا لإستراق السمع، وإلى المصیر الذی ینتظرها هناک، کما جاء فی الآیة الشریفة (إلاّ من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ).

«الخطفة» أی اختلاس الشیء بسرعة.

و «الشهاب» شیء مضیء متولّد من النار، ویرى نوره فی السماء على شکل خطّ ممتدّ.

وکما هو معروف فإنّ الشهب لیست نجوماً، وإنّما تشبه النجوم، وهی عبارة عن قطع صغیرة من الحجر متناثرة فی الفضاء، عندما تدخل فی مجال جاذبیة الأرض، تنجذب نحوها، ونتیجة دخولها بسرعة إلى جوّ الأرض وإحتکاکها الشدید مع الهواء المحیط بالکرة الأرضیة فإنّها تشتعل وتحترق.

وکلمة «ثاقب» تعنی النافذ والخارق، وکأنّه یخترق العین بنوره الشدید ویثقبها، وهذه إشارة إلى أنّ الشهاب یثقب کلّ شیء یصیبه ویحرقه.

وبهذا یکون هناک مانعان یحولان دون نفوذ الشیاطین إلى السماء العلیا:

الأوّل: هو رشق الشیاطین من کلّ جانب وطردهم، والذی یتمّ على الظاهر بواسطة الشهب.

والثانی: هو رشقهم بواسطة أنواع خاصّة من الشهب یطلق علیها اسم الشهاب الثاقب، الذی یکون بإنتظار کلّ شیطان یحاول التسلّل إلى الملأ الأعلى لاستراق السمع، وهذا المعنى نجده أیضاً فی الآیتین 17 و18 من سورة الحجر (وحفظناها من کلّ شیطان رجیم * إلاّ من استرق السمع فاتبعه شهاب مبین ).

وفی الآیة الخامسة من سورة الملک (ولقد زیّنا السماء الدنیا بمصابیح وجعلناها رجوماً للشیاطین ).

ولکن هل یجب الإلتزام بظواهر هذه الآیات؟ أم أنّ هناک قرائن تجبرنا على تفسیرها بخلاف الظاهر، کاستخدام الأمثال والتشبیه والکنایة؟

هناک وجهات نظر مختلفة بین المفسّرین، فالبعض منهم التزم بظاهر الآیات وبنفس المعانی التی استعرضت فی بدایة الأمر، وقالوا: هناک طوائف من الملائکة تسکن السماء القریبة والبعیدة تعرف أخبار الحوادث التی ستقع فی العالم الأرضی قبل وقوعها، لذا تحاول مجموعة من الشیاطین الصعود إلى السماء لاستراق السمع ومعرفة بعض الأخبار، لکی تنقلها إلى عملائها فی الأرض أی الذین یرتبطون بها ویعیشون بین الناس، ولکن ما أن یحاولون الصعود یرشقون بالشهب التی تتّصف بأنّها کالنجوم المتحرّکة، فتجبرهم على التراجع، أو تصیبهم فتهلکهم.

ویقولون: من الممکن أن لا نفهم بصورة دقیقة ما تعنیه هذه الآیات فی الوقت الحاضر، إلاّ أنّنا مکلّفون بحفظ ظواهرها، وترک تفاصیلها للمستقبل.

وقد إختار هذا التّفسیر العلاّمة «الطبرسی» فی (مجمع البیان) و«الآلوسی» فی (روح المعانی) و«سیّد قطب» فی (الظلال)، إضافة إلى عدد آخر من المفسّرین.

فی حین یرى البعض الآخر أنّ الآیات المذکورة إنّما هی من قبیل الأمثال المضروبة تصوّر بها الحقائق الخارجة عن الحسّ فی صورة المحسوس لتقریبها من الحسّ، وهو القائل عزّوجلّ: (وتلک الأمثال نضربها للناس وما یعقلها إلاّ العالمون ). (4)

وأضافوا: إنّ المراد من السماء التی تسکنها الملائکة، عالم ملکوتی ذو اُفق أعلى من عالمنا المحسوس، والمراد باقتراب الشیاطین من السماء وإستراقهم السمع وقذفهم بالشهب، هو أنّ هذه الشیاطین کلّما حاولت الإقتراب من عالم الملائکة للإطلاع على أسرار الخلیقة والحوادث المستقبلیة، طردت من هناک بواسطة نور الملکوت الذی لا یطیقونه، ورمتهم الملائکة بالحقّ الذی یبطل أباطیلهم.

وإیراده تعالى قصّة إستراق الشیاطین للسمع ورمیهم بالشهب، عقیب الإقسام بملائکة الوحی وحفظهم إیّاه عن مداخلة الشیاطین لا یخلو من تأیید لما ذکرناه (5) .

ویحتمل أیضاً أنّ السماء هنا هی کنایة عن سماء الإیمان والمعنویات التی یحاول الشیاطین النفوذ إلیها، إضافةً إلى الإنسلال إلى قلوب المؤمنین عن طریق الوساوس التی یبثّونها فی قلوبهم، إلاّ أنّ الأنبیاء والصالحین والأئمّة المعصومین من أهل البیت والسائرین على خطّهم الفکری والعملی یهاجمون الشیاطین بالشهاب الثاقب الذی یمتلکونه، ألا وهو العلم والتقوى، ویمنعون الشیاطین من الإقتراب من هذه السماء.

التّفسیر المذکور أوردناه هنا کاحتمال، وذکرنا بعض الدلائل والشواهد علیه فی نهایة الآیة 18 من سورة الحجرات.

هذه ثلاثة تفسیرات مختلفة للآیات مورد البحث والآیات المشابهة لها.


1. «الکواکب» هنا بدل من الزینة، ویحتمل کونها عطف بیان، والزینة هنا اسم مصدر ولیست مصدراً، حیث جاء فی الکتب الأدبیة أینما وجدت نکرة بدل عن المعرفة فیجب مرافقتها بوصف، وفی حالة العکس فإنّ الأمر غیر واجب.
2. «حفظاً» على حدّ قول الکثیر من المفسّرین مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدیر هو: وحفظناها حفظاً. والبعض إحتمل أنّها معطوفة على (بزینة) التی هی (مفعول له)، وتقدیرها «إنّا خلقنا الکواکب زینةً للسماء وحفظاً».
3. لقد تمّ بحث کلمة «واصب» أیضاً فی نهایة الآیة 52 من سورة النحل.
4. العنکبوت، 43.
5. تلخیص من تفسیر المیزان، ج 17، ص 125.
سورة الصافات / الآیة 6 ـ 10 سورة الصافات / الآیة 11 ـ 15
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma